فرع
الإبراد بالظهر على ما ذكرنا هل هو سنة أو رخصة؟ اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: سنة، وهو ظاهر المذهب، وهو اختيار أبي إسحق لأن شدة الحر تذهب بالخشوع فهي كشدة الجوع، ومنهم من قال: هو رخصة، لأن الشافعي، قال في البويطي: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتأخيرها في الحر توسعة منه ورفقاً بالذين ينتابونه مثل توسعته صلى الله عليه وسلم في الجمع بين الصلاتين، فحصل قولان.
فرع آخر
الإبراد بصلاة الجمعة عند اشتداد الحر بهذه الشرائط، هل يستحب؟ وجهان:
أحدهما: لا يستحب، لأن الناس ندبوا إلى التبكير إليها، فإذا اشتد الحر يكونون مجتمعين في الجامع، فتعجيل الجمعة بهم أرفق من تأخيرها، وهذا أظهر. وروى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا اشتد البرد بكر بها، وإذا اشتد الحر أبرد بها».
والثاني: يستحب فيها ذلك أيضاً، لأنها في يوم الجمعة كالظهر في سائر الأيام.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: وعلى هذا في المسجد الكبير الذي يجتمع فيه الناس الكثير في الجماعات وجهان أيضاً، وهذا محتمل قياساً على الجمعة.
وأما صلاة العصر: فتعجيلها أفضل، وبه قال من ذكرنا من الصحابة وغيرهم. وقال مالك: يؤخرها يسيراً كما قال في الظهر.
وقال أبو حنيفة: تأخيرها أفضل ما دامت الشمس بيضاء نقية، وبه قال الثوري إلا في يوم الغيم وعن إبراهيم أنه كان يؤخر العصر. وروي عن أبي قلابة أنه قال: إنما سميت العصر لأنها تعصر، واحتج بما روى رافع بن خديج رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يأمر بتأخير هذه الصلاة»، يعني صلاة العصر، وهذا غلط لما روى الشافعي بإسناده عن أنسٍ رضي الله عنه 40 أ/ 2 أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يصلي العصر والشمس بيضاء حية ثم يذهب الذاهب إلى العوإلي فيأتيها والشمس مرتفعة». وحياتها شدة وهجها وبقاء حرها. وقيل: حياتها صفاء لونها لم تتغير.
وقال الزبيري: والعوالي على ميلين أو ثلاثة. قال الراوي: وأحسبه قال: أو أربعة.