والثاني: وهو المنصوص عليه في الدعوى والبينات أنها لا تصير أم ولد وبه قال المزني فإذا قيل: بالأول إنها تصير أم ولد وهو اختيار الربيع وجمهور أصحابنا فوجهه هو انه لما لحق به ولاها بشبهة الملك كلحوقه به في المالك وجب أن تصير له أم ولا بشبهة الملك كما تصير له أم ولد بالملك.
وإذا قيل بالثاني: إنها لا تصير أم ولد وهو اختيار المزني فوجهه أنه أولدها في غير ملك فلم تصر به أم ولد وان أعتق الولد كالغارة التي يتزوجها بشرط الحرية فتكون أمة ظ ن ولاها منه حر ولا تصير له أم ولد فأما المزني فإنه استدل بصحة هذا القول بثلاثة أشياء:
أحدها: أن قال قد أجاز الشافعي للابن أن يزوج أباه بأمته ولو أولدها هذا الوطء الحلال لم تصر به أم ولد فكيف تصير أم ولد بوطء حرام؟
والثاني: أن قال: ليس للأب شريكا فيها كوطء أحد الشريكين إذا كان موسرا فتصير به إذا أولدها أم ولد؛ لأن الشريك ملكا وليس للأب ملك.
والثالث: أنه قال لما تصر به أم ولد للشريك إذا كان معسرا وله ملك فلان لا عير هـ أم ولد للأب وليس له ملك أولى فانفصل أصحابنا عن استدلال المزني ترجيحا للقول الأول.
فإن قالوا: أما استدلاله الأول بأن للابن أن يزوج أباه بأمته ولا تصير بالإحبال أم ولد فمرفوع عنه واختلفوا في سبب دفعه عنه فكان أبو العباس بن سريج وأبو إسحاق المروزي بنسبان المزني إلى السهو والغفل في نقله، وانه غلط في تزويجه لجارية أبيه إلى تزويجه لجارية ابنه، ومنعوا أن يتزوج الأب بجارية الابن وإن حل للابن أن يتزوج بجارية الأب، وأن الشافعي قد قال ذلك نصا في "الدعوى والبينات"؛ لأن على الابن أن يعف أباه فلم يجز أن يزوجه بأمته وليس على الأب أن يعف ابنه فجاز أن يزوجه بأمته وإنما كان وجوب إعفافه على الابن يمنعه من التزويج بأمة الابن؛ لأن الحر لا يجوز له أن ينكح الأمة إلا بشرطين: عدم الطول وخوف العنت فإن كان الأب موسرا لم يعدم الطول وان كان معسرا صار لوجوب إعفائه على الابن واجدا للطول فعلى هذا استدلاله مرفوع بغلطه، وقال آخرون: بل نقل المزنى صحيح في تزويج الأب بجارية ابنه ثم اختلفوا في صحة هذا النقل على وجهين:
أحدهما: أنه عام في جواز تزويجه بها وأنه قول ثاني للشافعي أنه لا يلزم الابن إعفاف أبيه كما لا يلزم الأب إعفاف ابنه.
والثاني: أنه جوز تزويجه بها في موضع مخصوص لا على العموم وان كان إعفافه على الابن واجبا ومن قال بهذا اختلفوا في موضع الخصوص الذي يجوز فيه تزويجه بها على وجهين:
أحدهما: أن أباه كان مملوكا فزوجه بأمته لأن إعفافه لا يجب عليه ولو كان حرا لم يجز.