يجوز حدوث مثله بالأنبياء الذي لا يحدث بهم جنون فإن زال المرض فلم يزل معه الإغماء صار حينئٍذ جنونًا يثبت فيه الخيار. وأما البله فهو غلبة السلامة فيكون الإبله سليم الصدر ضعيف العزم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها بلهًا" يعنى الذين غلبت السلامة على صدورهم ومنه قول الشاعر:
وَلَقَدْ لَهَوْتُ بِطِفْلَةٍ ميّالَةِ بَلهَاءَ تُطْلِعُنِى عَلَى أَسْرَارِهَا
فلا خيار في البله لأن الاستمتاع كامل ولذلك لا خيار في الحمق وقلة الضبط كمال الاستمتاع معهما وإنما يؤثر فيما سواه من تدبير المنزل وتربية الولد ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يسترضعوا الحمقى فإن صحبتها بلاء وولدها ضياع".
فصل:
والثاني من عيوبهما: الجذام وهو: عفن يكون في الأطراف والأنف يسرى فيهما حتى يسقط فتبطل وربما سرى إلى النسل وتعدى إلى الخليط والنفس تعافه وتنفر منه فلا يسمح بالمخالطة ولا تحبب إلى الاستمتاع وقد روى سعيد عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "فروا من المجذوم فراركم من الأسد" وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه فمد يدًا جذماء فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قبض يده ولم يصافحه وقال: "اذهب فقد بايعناك" ففي الجذام الخيار قليلًا كان أو كثيرًا لأن قليله يصير كثيرًا وسواء كان في الزوج أو الزوجة.
فأما الزعر فهو من مبادئ الجذام وربما برئ ولم يصر جذامًا ويقع في الحاجبين فيناثر به الشعر وفي الأنف فيتغير به الجلد ولا خيار فيه لأنه ليس بجذام عادى ولا النفوس منه نافرة فلو اختلفا فيه فادعى الزوج أن بها جذامًا وقالت: بل هو زعر وقف عليه عدلان من علماء الطب فإن قالا: هو جذام ثبت فيه الخيار، وإن قالا: زعر فلا خيار فيه وإن أشكل فالقول قولها مع يمينها أنه زعر ولا خيار فيه لأن الأصل عدم الخيار إلا أن يثبت ما يوجبه.
فصل:
والثالث من عيوبهما: البرص: وهو حدوث بياض في الجلد يذهب معه دم الجلد وما تحته من اللحم وفيه عددي إلى النسل والمخالطين وتعافه النفوس وتنفر منه فلا يكمل مع الاستمتاع ولذلك رد النبي صلى الله عليه وسلم نكاح امرأة وجد بكشحها بياضًا وفي قليله وكثيره الخيار لان قليله يصير كثيرًا وسواء كان بالزوج أو الزوجة.