فأما البهق فتغير لون الجلد ولا يذهب بدمه، ويزول ولا تنفر فيه نفوس فلا خيار فيه فلو اختلفا فقال الزوج: هذا البياض برص ولي الخيار وقالت الزوجة: بل هو بهق فلا خيار، دقق فيه عدلان من علماء الطب وعمل على قولهما فيه فإن أشكل كان القول قولها مع يمينها أنه بهق ولا خيار فيه.
فإن قيل: فكيف جعل الشافعي في الجذام والبرص عدوى وهذا قول أصحاب الطبائع وقد كذبه الشرع ومنع منه وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة" فقيل له: أما ترى النكتة من الجرب في شفر البعير فتعدوا إلى سائره إلى غيره فقال صلى الله عليه وسلم: "فمن أعدى الأول" أي إذا كان الأول بغير عدوى كان ما بعده وفي غيره بغير عدوى.
قيل: إنما منع الشرع من أن الطبيعة هي التي تحدث العدوى كما يزعم الطب ولا يمنع أن الله تعالى قد جعل فيها العدوى كما جعل في النار الإحراق وفي الطعام الشبع وفي الماء الري وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يوردن ممرض ذو عاهة على مصح" وامتنع من مبايعة الأجذام.
وروى عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب توجه إلى الشام فلما انتهي إلى سرغ تلقاه أمراء الأجناد وأخبروه بحدوث الطاعون بالشام فتوقف عن المسير وشاور المهاجرين في المسير أو الرجوع فاختلفوا وشاور الأنصار فاختلفوا وكان عبد الرحمن بن عوف غائبًا عنهم فحضر فشاوره عمر فقال عبد الرحمن: إن عندي في هذا علمًا قال عمر: ما هو؟ قال عبد الرحمن: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم به في واد فلا تقدموا عليه وإذا وقع وأنتم فيه فلا تخرجوا منه" فحمد عمر الله تعالى ورجع الناس معه.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "لبن الحمقى يعدي".
فأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن أعدى الأول" فالمقصود منه رد قولهم إنه لم يكن إلا من عدوى الأول ولولاه ما جربت وقال: "من أعدى الأول" أي إذا كان الأول من الله تعالى يعنى عدوى كان ما بعده منه.
فإن قيل: فلم أضاف الشافعي العدوى إلى الجذام والبرص ولم يضفه إلى الله تعالى.
قيل: على طريقة الاستعارة والتوسع في العبارة كما يقال: طالت النخلة وقصر الليل وأثمرت الشجرة وإن كان الله تعالى هو الفاعل لذلك.
فصل:
فإذا تقرر ما وصفنا من أحكام العيوب فوجد الزوج بالزوجة قليلًا من برص أو