وأما اعتبار المهر بالعدة: فقد تجب العدة بإصابة السفيه وان لم يجب عليه مهر فكذلك الموت في المفوضة.
فصل
فإذا تقرر ما وصفنا فلا فرت بين أن تكون الزوجة مسلمة أو ذمية في أن المهر إن وجب للمسلمة وجب للذمية وإن سقط للمسلمة سقط للذمية.
وقال أبو حنيفة: أوجب المهر للمسلمة وأسقطه للذمية وجعل ذلك مبنيًا على أصله في أن ثبوت المهر في النكاح حق الله تعالى وأهل الذمة لا يؤاخذون بحقوق الله ويؤخذ بها المسلمون فلذلك سقط مهر الذمية لسقوطه من العقد ووجب مهر المسلمة لوجوبه في العقد. وهذا فاسد بل المهر من حقوق الآدميين المحضة كالثمن في البيع والأجرة في الإجارة لاستحقاقه بالطلب وسقوطه بالعفو. ولأنه لما كان استدامة ثبوته من حقوق الآدميين وجب أن يكون ابتداء ثبوته من حقوق الآدميين كسائر حقوق الآدميين طردًا وكسائر حقوق الله عكسًا ولأنه لو كان المهر من حقوق الله تعالى في النكاح كالولي والشاهدين لبطل النكاح بترك المهر كما بطل بترك الولي والشاهدين، والله أعلم.
مسألة
قال الشافعي: "ومتى طلبت المهر فلا يلزمه إلا أن يفرضه السلطان لها أو يفرضه هو لها بعد علمها بصداق مثلها".
قال في الحاوي: هذا كما قال المفوضة لبضعها لا تملك المهر بعقد النكاح. وقال أبو حنيفة: تملكه بالعقد استدلالًا بأمرين:
أحدهما: أن الزوج قد ملك بضعها بالعقد فوجب أن تملك بدله من المهر بالعقد كالثمن والمثمن لا يملك عليها مبدلًا لم تملك في مقابلته بدلا.
والثاني: أن للمفوضة المطالبة بالمهر والامتناع من تسليم نفسها إلا بعد قبضه ولا يجوز أن تطالبه بما لم يجب ولا أن تمتنع من تسليم ما وجب على تسليم ما لم يجب.
والدليل على أن المهر لم يجد بالعقد أن ما وجب بالعقد تنصف بالطلاق كالمسمى وما لم يتنصف بالطلاق لم يجب بالعقد كالزيادة على مهر المثل وكالمهر الفاسد.
فأما ملك البضع بالعقد فلأنه مقصود لا يجوز الإخلال بذكره في العقد فلذلك ملك بالعقد والمهر ليس بمقصود لأنه يجوز الإخلال به في العقد فلم يملك بالعقد مع ترك ذكره فيه فافترق حكم البضع والمهر وأوجب ذلك افتراض حكم المسمى والتفويض وأما المطالبة فليس لها المطالبة عندنا بالمهر وإنما لها المطالبة بأن يفرض لها المهر فتكون قد ملكت بالتفويض أن تملك بالفوض مهرًا كالشفيع ملك بالبيع أو يتملك بالشفعة.