فصل:
فإذا ثبت ما وصفنا ففي قار ما ملكت أن تتملك من المهر قولان:
أحدهما: وهو قوله في الجديد أنه مهر المثل لأنه في مقابلة مستهلك بالعقد فتقدر بمهر المثل كالمستهلك بالوطء.
والثاني: وهو قوله في القديم أنه مهر مطلق لا يتقدر بمهر المثل لأنه بدله من المسمى في العقد وذلك غير مقدر بمهر المثل فكذلك ما استحق بالفرض.
وإذا كذلك فالمفوضة تملك المهر بأحد أربعة أشياء ذكرناها مجملة ونحن نشرحها:
أحدها: أن يترافعا إلى الحاكم فيفرض لها الحاكم مهر المثل فلا يصح حكمه به إلا بعد علمه بقدره كما لا يصح أن يحكم بقيمة متلف إلا بعد علمه بقدر القيمة ولا يجوز له أن يزيد على مهر المثل فيظلم الزوج إلا أن يبذل الزوج الزيادة ولا أن ينتقص من مهر المثل فيظلم الزوجة إلا أن ترضى الزوجة بالنقصان وهل يعتبر مهر المثل وقت العقد أو وقت الفرض؟ فيه وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي العباس بن سريج أنه يعتبر مهر مثلها وقت العقد لأن البضع مستهلك بالعقد.
والثاني: وهو قول ابن علي بن خيران أنه يعتبر مهر مثلها وقت الفرض لأنها ملكته بالفرض دون العقد.
فإذا فرضه الحاكم صار كالمسمى بالعقد إن طلقت قبل الدخول وجب لها نصفه وهذا مما وافق عليه أبو حنيفة لأن الحكم إذا نفذ بجائز لم ينقص.
الفصل
وأما الثاني: يجب به مهر المفوضة فهو أن يجتمع الزوجان بعد العقد على فرض مهر عن تراضٍ فيصير ما فرضاه لازمًا كالمسمى إن طلقها قبل الدخول وجب لها نصفه.
وقال أبو حنيفة: لا يلزم المهر إلا بعقد أو حكم ولا يصير لازمًا باجتماعهما على فرضه فإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة احتجاجا بعموم قول الله تعالى:} وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ {البقرة: 241 ولأنهما ملكا التسمية في العقد لأنها تصير واجبة بوجوب العقد ولم يملكاها بعد العقد لأنه لا يصير لها موجبًا إلا الحاكم.
ودليلنا قول الله تعالى:} وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ {البقرة: 237 ولم يفرق بين ما فرض لها في العقد وبعده فوجب حمله على الأمرين وان كان بما بعد العقد أشبه ولأن المهر من أعواض العقود فكان ثبوته بالمراضاة أولى من ثبوته بالحكم كالأثمان والأجور ولأن كل مهر كمل بالدخول ينصف بالطلاق قبل الدخول كالمسمى في العقد.
فأما الآية فمحمولة على التي لم يفرض لها مهر بدليل قوله:} لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ