طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ {البقرة: 236
وأما الاستدلال بالحكم فاجتماعهما على الفرض أبلغ في الالتزام من الحكم كما لو اجتمعا على قيمة متلف أو أرش معيب.
فإذا تقرر أن المهر يلزم بفرضهما كما يلزم بفرض الحاكم فإن فرضاه مع علمهما بقدر المثل صح وجاز أن يفرضا مهر المثل وأكثر منه وأقل وأن يعدلا إلى عوض من ثوب أو عبد بخلاف الحاكم الذي لا يجوز أن يعدل عن جنس المهر ومقداره لأن فرض الزوجين كالتسمية في العقد وان فرضاه مع جهلهما بمهر المثل ففي جوازه قولان:
أحدهما: وهو قوله في الجديد: أنه لا يجوز الفرض ويكون باطلا كالتي لم يفرض لها كما لو فرضه الحاكم وهو غير عالم ولأنه يتضمن معنى الإبراء من مجهول.
والثاني: وهو قوله في القديم: أنه يجوز ويصح الفرض لأنه معتبر بالمسمى في العقد وان جهلا مهر المثل كذلك ما فرضاه بعد العقد. وهذان القولان يترتبان على اختلاف قوليه في الذي يجب لها هل هو مهر المثل أو مهر مطلق؟
فإن قيل: مهر المثل لم يصح فرضهما إلا بعد علمهما به. وان كان مهر مطلق صح فرضهما مع الجهل به.
الفصل:
وأما الثالث: مما يجب به مهر المفوضة فهو الدخول لأن المهر لما وجب بوطء الشبهة فأولى أن يجب بالوطء في نكاح صحيح والواجب بهذا الدخول هو مهر المثل قولًا واحدًا سواء تعقبه موت أو طلاق. وإذا وجب بالدخول فتقايره يكون لحكم الحاكم وان تقام وجوبه على حكمه فيكون حكمه مقصورًا على تقديره دون إيجابه وحكمه فيما تقام مشتمل على التقدير والإيجاب.
فإن قدره الزوجان لم يصح تقديرهما إلا مع علمهما به قولًا واحدًا؛ لأن المهر ها هنا قيمة مستهلك فإن جهلاه أو أحدهما لم يصح تقديره وكان على إرساله بعد وجوبه.
قال الشافعي: واستحب أن لا يدخل بها إلا بعد فرض المهر ليكون مستمتعًا بمهر معلوم وليخالف حال الموهوبة التي خص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فصل:
وأما الرابع: فهو الموت وفي وجوب مهر المفوضة به قولان مضيا ثم إن وأجبناه فهو مهر المثل ولا يقدره إلا الحاكم وحده فإن قدره مع الباقي من الزوجين أجنبي علم قدره فإن فعل ذلك ليؤديه من ماله جاز، كما لو قضى دينًا عن ميت أو قضاه عن حي لورثه ميت وان فعل ذلك ليؤخذ من مال الزوج ففي جوازه إذا تراضى به الباقي وورثه الميت قولان من اختلاف قوليه في حكم غير الحاكم وهو يلزم بالتراضي أم لا؟ على قولين، والله أعلم.