وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود, ومن الفقهاء مالك والعراقيون.
واستدل من منع وقوع الطلاق الثلاث بأن الله تعالى فرق طلاق الثلاث بقوله: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فلم يجز أن يجمع ما أمر بتفريقه؛ لأنه ارتكاب ما نهى عنه, وما حرم من الطلاق لا يقع كالمراجعة.
وبما رواه عبد الله بن عباس قال: كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيام أبي بكر, وصدر من أيام عمر واحدة: فقال عمر: قد استعجلتم في أمر كان لكم فيه أناة, وجعله ثلاثًا.
فلا يجوز لعمر أن يخالف شرعًا ثبت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتفع النسخ بموته.
وبما رووه عن معاوية بن عمار عن أبي الزبير عن ابن عمر أنه طلق امرأته ثلاثًا في الحيض فاستفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يراجعها, فإذا طهرت فليستقبل بها العدة إن شاء طلق وإن شاء أمسك, وهذا نص.
فصل
واستدل أبو حنيفة على أن طلاق الثلاث محرم وإن كان واقعًا بقول الله تعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} الطلاق: 1.
فتضمنت هذه الآية تفريق الطلاق في الأطهار من الوجهين:
أحدهما: قوله تعالى: {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} وإحصاؤها إنما يكون انتظارًا لوقوع الطلاق فيها.
والثاني: قوله تعالى فيها {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} يريد به الرجعة والرجعة لا تكون في الثلاث, وإنما تكون فيما دون الثلاث.
وبقوله تعالى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} البقرة: 229 فدل على أنه لا يجوز فيه أن يكون مرة.
وبما روي عن عبد الله بن عمر أنه قال: طلقت امرأتي وهي حائض فقال النبي صلى الله عليه وسلم هكذا أمرك ربك إنما السنة أن تستقبل بها الطهر ثم تطلقها في كل قرء طلقة.
وبما رواه الحسن عن ابن عمر أنه قال: طلقت امرأتي وهي حائض طلقة وأردت أن أتبعها طلقتين فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: راجعها فقلت أرأيت لو طلقتها ثلاثًا فقال: كنت قد أبنت زوجتك وعصيت ربك, فلولا أن جمع الثلاث محرم ما كان به عاصيًا.
وبما رواه إبراهيم عن عبد الله بن عبادة الصامت عن أبيه عن جده أنه قال طلق بعض آبائي ألفًا, فانطلق بنوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إن أبانا طلق أمنا ألفًا