فهل له من مخرج؟ فقال: إن أباكم لم يتق الله فيما فعل؛ فيجعل له من أمره مخرجًا بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبعة وتسعون إثم في عنقه.
قال: ولأنه إجماع الصحابة, روي أن عمر بن الخطاب كان إذا برجل طلق امرأته ثلاثًا أوجع ظهره.
وأن رجلًا أتى عبد الله بن عباس فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثًا فقال ابن عباس إن عمك عصي الله فأندمه, وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجًا وأن عليًا وابن عباس أنكراه فكان إجماعًا, لعدم المخالف فيه.
ولأنه عدد يتعلق به البينونة فوجب أن يتكرر كاللعان.
ودليلنا على الفريقين قول الله تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} البقرة: 236.
فكان رفع الجناح عنه من غير تمييز لعدد يوجب التسوية بين الأعداد.
وروى سهل بن سعد الساعدي, أن النبي صلى الله عليه وسلم لما لا عن بين عويمر العجلاني وامرأته قال: كذبت عليها إن أمسكتها, هي طالق ثلاثًا.
فلو كان الجمع بين الطلاق والثلاث محرمًا لأبانه صلى الله عليه وسلم وأنكره, لأنه لا يقر على منكر.
وروي أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته ألبته, فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: "ما أردت بالبتة قال واحدة فأحلفه أنه ما أراد أكثر منها" فدل على وقوع الثلاث لو أرادها من غير تحريم.
وروى سلمة بن أبي سلمة عن أبيه أن حفص بن عمرو بن المغيرة طلق فاطمة بنت قيس ثلاثًا بكلمة واحدة, فلم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأن عبد الرحمن بن عوف طلق تماضر بنت الأصبغ الكلبية ثلاثًا في مرضه فلم ينكره الصحابة عليه, وتماضر هي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن, فدل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الصحابة بعده على إباحة بين الثلاث, وروي عن الحسن بن علي أن امرأته عائشة الخثعمية قالت له بعد قتل أبيه: لتهنك الخلافة يا أمير المؤمنين فقال لها: أو يقتل أمير المؤمنين وتشتمين اذهبي فأنت طالق ثلاثًا, فلم ينكر ذاك أحد من الصحابة فدل على إباحته عندهم.