أحق بها، فقال عمر- رضي الله عنه- نعم ما رأيت، فدل ذلك على إجماعها على أن وقوع الطلاق على الزوج كناية فيه، ولأنه أحد الزوجين فجاز أن تقع الفرقة، بوقوع الطلاق عليه كالزوجة، ولأن ما صلح أن تقع به الفرقة إذا وقع على الزوجة، جاز أن تقع به الفرقة إذا وقع على الزوج. كالتحريم والبينونة، ولأن من صح إضافة كناية الطلاق إليه صح إضافة صريحة إليه، كالزوجة طردًا وكالأجنبية عكسًا.
والاستدلال من هذا الأصل هو: أن صريح الطلاق أقوى من كنايته، فلما وقعت الفرقة بكناية الطلاق في الزوج كان وقوعها بصريحه به أولى.
فأما استدلاله بحديث ابن عباس، فقد خالف عمر وابن مسعود، وقول الاثنين أقوى من قول الواحد. وأما استدلاله بانتفاء الاسم عن الزوج أوجب انتفاء حكمه فباطل بقوله: أنا بائن منك، وحرام عليك، على أن حكم الطلاق متعلق بكل واحد منة الزوجين وإن اختص أحدهما بالاسم.
وأما استدلاله بأنه لما لم يكن صريح الطلاق فيه صريحًا ولا وجب عليه العدة لم يكن محالًا له. فالجواب عنه أنه لما لم يكن في حقيقته صريحًا، لأن الصريح ما اقترن به عرف الاستعمال عندهم وعرف القرآن عندنا ولم يتناول جهة الزوج عرف الاستعمال وعرف القرآن، فكان صريحًا، وقد تناوله في جهة الزوجة عرف الاستعمال وعرف القرآن فكان صريحًا.
وأما العدة فهي الامتناع من الأزواج والزوجة ممنوعة من ذلك، في حال الزوجية فمنعت منه بعد الزوجية والزوج غير ممنوع منه في حال الزوجية، فلم يكن ممنوعًا منه بعد الزوجية.
وأما الاستدلال بقوله لعبده: أنا حر منك، فقد اختلفا أصحابنا هل يكون كناية عن عتقه أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة: يكون كناية في عتقه، يعتق به إذا نواه، فعلى هذا يسقط الاستدلال به.
والوجه الثاني: وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه لا يكون كناية، ولا يعتق به، فعلى هذا الفرق بينهما، أن العتق إنما هو إزالة الرق، والرق يختص بالعبد دون السيد فلم يصح العتق إلا أن يتوجه اللفظ إلى العبد دون السيد، وليس كذلك الطلاق، لأنه رفع الزوجية التي قد اشترك فيها الزوجان، فجاز أن تقع الفرقة بوقوعها على الزوجين.
وأما استدلاله بأن الطلاق هو إطلاق من الحبس، وهذا مختص بالزوجة دون الزوج ففيه جوابان:
أحدهما: أن الطلاق هو الإطلاق من عقد النكاح والعقد متعلق بهما فجاز أن يكون الطلاق واقعًا عليها.
والثاني: أنه وإن كان إطلاقًا من حبس، فهو محبوس بها عن نكاح أختها، وخالتها وعمتها وعن نكاح أربع سواها، كما كانت محبوسة عن غيره فجاز أن يقع الطلاق