السائب عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال في هذا الخبر: فإذا قال العبد؛ بسم الله الرحمن الرحيم يقول الله تعالى: ذكرني عبدي. وأما سورة الملك، قلنا: قد ذكرنا قولًا: أن التسمية بعض آيٍة منها، مضمومة إلى الآية الأولى منها، ويحتمل أنه قال ذلك قبل نزول بسم الله الرحمن الرحيم، أو أراد ما يختص بهذه السورة من آياتنا.
وحكي شيخنا أبو سهل الأبيوردي أن خطيب بخارى من جملة العلماء الزهاد رأى خبرًا عن رسول الله. أنه قال: من قرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} الإخلاص: 1 72 ب/ 2 ألف مرة رفع الله تعالى عنه وجع السن ولا يتجع أبدًا). فوجع سّنُه فقرأها ألف مرة، فلم يزل الوجع وزاد فنام فرأى في المنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن وجع السن وعما فعل، فقال: رأيت خبرًا عنك يا رسول الله كذا، وفعلت كذا، فلم يسكن وجعي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لأنك قرأتها بلا تسمية فاقرأها بالتسمية)، فانتبه فقرأها مع التسمية فرفع الله تعالى عنه وجع السن، ولم يعد.
قال هذا الخطيب: فاعتقدت مذهب الإمام الشافعي في هذه المسألة، ولا أصلي إلا بالتسمية في أول الفاتحة، فإن قيل: لو كانت قرآنًا لم يجز فيها الاختلاف، قلنا: تقابل بأنه لم يكن قرآنًا لما أضيفت إليه بمثل خط سائر القرآن ثم أصلها من القرآن بلا خلاف. والخلاف ههنا في موضعها، فإن قيل: القرآن لا يثبت إلا بالتواتر قطعًا. قلنا: من أصحابنا من قال: نحن نثبتها حكمًا لا قطعًا، وهو أنا نوجب قراءتها في الصلاة، فيجوز إثبات ذلك بأخبار الأحاد وهو الأصح.
ومن أصحابنا من قال: يثبت قطعًا لكونها في المصحف بخط القرآن ولم نكفر جاحدها كما لم نكفر مثبتها لحصول الاختلاف بنوع من الشبهة كما كانت الشبهة لابن مسعود رضي الله عنه في المعوذتين. وقال: إنهما ليستا من القرآن، فإذا تقرر هذا، قال في البويطي: يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل أم الكتاب، وقبل السورة.
وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وسعيد بن جبير وعطاء وطاوس ومجاهد رضي الله عنه، وعند أبي حنيفة يقرؤها في صلاة الجهر. وبه قال علي وابن مسعود وعّمار والثوري والأوزاعي وأحمد وأبو عبيد رضي الله عنه.
وقال مالك: المستحب أنه لا يقرأها أصلًا في شيء من الصلوات. وبه قال الأوزاعي في روايٍة. 73 أ/ 2 وقال الحكم وإسحق وابن أبي ليلى: الجهر والإخفات فيها سواء، وكلاهما حسٌن، واحتجوا بما روى قتادة عن أنس أنه قال: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنه، فلم أسمع أحدًا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وهذا غلٌط لما روى ابن عباس رضي الله عنه (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم).