لأنه تكلم في الإفك، فأنزل الله تعالى فيه:
{ولا يَاتَلِ أُوْلُوا الفَضْلِ مِنكُمْ والسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي القُرْبَى} النور:22 إلى قوله: {أَلا تُحِبونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} النور:22 فقال أبو بكر: بلى يا رب، فبره وكفر.
والخامس: أن يحلف على فعله مباح وتركه مباح، كقوله: ولله لا دخلت هذه الدار ولا لبست هذا الثوب، وأكلت هذا الطعام فعقدها ليس بمستحب واختلف أصحابنا هل هو مباح او مكروه؟ على وجهين:
أحدهما: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن عقدها مباح، وحلها مباح، لانعقادها على ما فعله مباح، وتركه مباح.
والثاني: وهو ظاهر كلامه هاهنا، أن عقدها مكروه، وحلها مكروه؛ لأنه قال: وأكره الأيمان على كل حال، فيكون عقدها مكروهًا؛ لأنه ربما عجز عن الوفاء بها، وحلها مكروه؛ لأنه جعل الله عرضة بيمينه وقد نهاه عنه.
فصل:
فإذا تقرر هذا، وحلف على أحد هذه الأقسام الخمسة، فلا يخلو حالة فيها أن يبرأ أو يحنث فإن بر فلا كفارة عليه سواء كان يره فيها طاعة أو معصية، ذهب بعض إلى وجوب الكفارة عليه بعقد اليمين وغن لم يحنث فيها وهو قول عائشة والحسن وقتادة تعلقا بقول الله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ} المائدة: 89 فعلق الكفارة باليمين دون الحنث.
والدليل على الفساد هذا القول ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والله لأغزون قريشًا" فغزاهم ولم يكفر، وقوله: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ} المائدة: 89. يعني: وحنثتم، كما قال: {ومَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} البقرة: 184. أي: فأفطرتم، فعدة من أيام أخر، فحدف ذلك لدلالة الكلام عليه، وإن حنث في يمينه وجبت الكفارة عليه، سواء كان حنثه طاعة أو معصية.
وذهب الشعبي وسعيد بن جبير إلى انه لا كفارة في حنث الطاعة، وإنما تجب في حنث المعصية، لأن فعل الطاعة مأمور به، وغير آثم فيه، فلم يحتج إلى تكفير كالقتل، إن أثم به كفر، وإن لم يأثم به لم يكفر، وهذا خطأ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" وليس يمتنع أن يكفر في فعل الطاعة كالمحرم إذا اضطر إلى أكل الصيد كان مطيعًا في قتله، وعليه أن يكفر بالجزاء، وكالقاتل الخطأ ليس يأثم، وعليه الكفارة.