وهو المعقود عليه من أيمانه وهو من كسب قلب المأخوذ بإثمه كما قال تعالى: {ولَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} البقرة:225 ولئن كانت اليمين المستقبلة تتردد بين بر وحنث، فالغموس مترددة بين صدق وكذب، فصارت ذات حالين كالمستقبلة، وغن اختلفت الحالتان.
ألا تراه لو حلف ليصعدن السماء وليشربن ماء البحر حنث لوقته. وإن لم يتردد يمينه بين حنث وبر، وكذلك لو حلف ليقتلن زيدًا، وكان زيد قد مات حنث، ولزمته الكفارة، وإن لم يتردد يمينه بين بر وحنث وكذب، لأنها مقصودة كذلك يمين الغموس في الماضي.
فأما قوله تعالى: {واحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} المائدة: 89 فحفظها قبل اليمين أن لا يحلف وبعد اليمين أن لا يحنث، كما قال الشاعر:
قليل الألا يا حافظ لعهده وإن بدرت منه الألية برت
وأما الجواب عن الخبرين فمن وجهين:
أحدهما: أن الإمساك عن الكفارة فيها اكتفاء بما ورد به القرآن من وجوبها.
والثاني: أن المقصود بها حكم الآخرة، والكفارة من أحكام الدنيا.
وأما الجواب عن قياسهم على لغو اليمين فهو أن لغو اليمين غير مقصودة فخرج عن اليمين المقصودة.
وأما الجواب عن قياسهم على اليمين بالمخلوقات فهو أنه لا يلزم في جنسها كفارة فخالفت الأيمان بالله.
وما الجواب عن قياسهم على النكاح، فهو أنه منتقض بيمينه أن يصعد السماء ثم المعنى في النكاح أن مقصوده الاستمتاع والاستباحة، فإذا امتنع في النكاح بطل ومقصود اليمين وجوب الكفارة في الحنث وسقوطها في البر، وهذا موجود في المستقبل والماضي.
فصل:
فإذا ثبت وجوب الكفارة في اليمين الغموس على الماضي في إثبات ما لم يكن، أو نفي ما قد كان، فهي يمين محلولة غير منعقدة، لأن عقدها إنما يكون فيما ينتظر بعدها من بر أو حنث، وهذه اليمين قد اقترن بها الحنث بعد استيفاء لفظها، فلذلك لم تنعقد، ووجبت الكفارة باستيفاء اليمين.
فصل:
يمين الكافر منعقدة يتعلق بها الحنث، وتجب بها الكفارة كالمسلم سواء حنث في حال كفره أو بعد إسلامه، لكنه إن كفر في حال كفره كفر بالمال من إطعام أو كسوة أو عتق، ولم يكفر بالصيام فإن أسلم قبل التكفير جاز أن يكفر بالصيام كالمسلم.