وقال أبو حنيفة: يمين الكافر غير منعقدة، ولا كفارة عليه إذا حنث، استلالاً بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الإسلام يجبّ ما قبله:" فكان على عمومه؛ ولأن الكفارة لا تصح منه؛ لافتقارها إلى النية ما بدليل أنها عبادة تفتقر إلى النية، فلم تصح من الكافر كالصيام والقيام.
ولأن الإطعام والكسوة موجبة التكفير، فوجب أن لا يصح من الكافر كالصيام.
ولأن من لم يصح منه التكفير بالصيام لم يصح منه التكفير بالمال كالصبي والمجنون.
وإذا ثبت بهذه المعاني الثلاثة أن التكفير لا يصح منه وجب أن لا تنعقد يمينه ولا تجب عليه فيها كفارة لأمرين:
أحدهما: أن موجب اليمين الكفارة، فإذا لم تصح منه لم تجب عليه الزكاة.
والثاني: أن من لم يصح تكفيره لم تنعقد يمينه كالصبي والمجنون.
ودليلنا عموم قوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ولَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} المائدة: 89 الآية فاقتضى ظاهر العموم استواء المسلم والكافر في وجوبه.
ومن القياس: أن كل من صحت يمينه في الدعاوى انعقدت من غير الدعاوى كالمسلم؛ ولأن كل يمين صحت يمينه بالطلاق والعتاق صحت يمينه بالله كالمسلم؛ ولأن كل من صحت يمينه بالله في الإيلاء صحت يمينه بالله في غير الإيلاء كالمسلم.
فإن قيل: إنما صحت يمينه في الإيلاء وبالطلاق والعتاق؛ لأنه يصح منه موجبه من الطلاق والعتق، ولم يصح منه موجب اليمين بالله تعالى في التكفير، فلم تصح منه اليمين بالله تعالى.
قيل: موجب اليمين هو الوفاء بها، والكفارة حكم تعلق بالحنث، فلم يمنع من انعقاد اليمين، وإن أفضت إلى التكفير الذي لا يصح منه، ألا ترى أن الكافر لو دخل الحرم فقتل فيه صيداً ضمنه بالجزاء، وإن افتقر إخراج الجزاء إلى نية لم يصح من الكافر، ولم يسقط عنه الجزاء.
فاما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يجبّ ما قبله" فمن وجهين:
أحدهما: ان الخبر يقتضي إسقاط ما وجب، وعندهم أنه لم يجب ما يسقط
والثاني: أنه محمول على سقوط المأثم دون المغرم.
وأما الجواب عن استدلالهم بأن التكفير بالمال لا يصح منه كالصيام، فهو أن