الصيام عبادة محضة، فلم تصح من الكافر كالصلاة والمال حق يتصرف إلى الآدميين، فصح من الكافر، وإن استحقت فيه النية كجزاء الصيد في الحرم، ولا يمنع إذا لم يصح منه أحد أنواع التكفير أن تجب عليه الكفارة، ألا ترى أن الحائض لا يصح منها التكفير بالصيام، وتصح منها التكفير بالمال، والعبد لا يصح منه التكفير بالمال، ويصح منه التكفير بالصيام، والمجنون إنما لا يصح منه التكفير بالمال والصيام؛ لأنه غير مكلف، والكافر مكلف، فلذلك انعقدت يمين الكافر، وإن لم تنعقد يمين المجنون.
وأما الزكاة: فلأنها فرضت على المسلم طهرة، فخرج منها الكافر، ولزمته الكفارة عقوبة.
مسألة:
قَالَ الشّافِعِيُّ: "وَإِنْ قَالَ أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ فَإِنْ كَانَ يَعْنِي حَلَفْتُ قَدِيماً فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ حَادِثَةٍ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا يَمِيناً فَهِيَ يَمِينٌ".
قال في الحاوي: قوله: "أقسمت بالله"، يحتمل أمرين أن يكون يميناً في الحال أو يكون إخباراً عن يمين ماضية، وإذا احتمل هذين الأمرين لم يخل حاله من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يريد يميناً في الحال فتكون يميناً منعقدة، كما قال تعالى: {أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} المائدة: 53.
والثانية: أن يقوله مطلقاً لم تقترن به إرادة، فتكون يميناً؛ لأنه قد اقترن بإطلاقها عرفان، عرف شرع وعرف استعمال. فعرف الشرع ما قدمناه من الآية وعرف الاستعمال قولهم في أيمانهم: أقسمت بالله لأفعلن كذا، فوجب أن يكون إطلاقه محمولاً على العرفين من انعقاد اليمين ولزوم الكفارة.
والثالثة: أن يريد به يميناً حلف بها منعقدة، فإن علم تقدم يمينه كان العلم بها موافقاً لإرادته، فلا تنعقد يمينه في الحال، وإن لم تعلم له يمين متقدمة، فقد قال في كتاب الأيمان "لا تكون يميناً" لاحتمال ما قال في كتاب الإيلاء: تكون يميناً منعقدة اعتباراً بعرف الشرع والاستعمال، فاختلف أصحابنا على وجهين:
أحدهما: الجمع بين الجوابين وتخريجه في اليمين والإيلاء على قولين:
أحدهما: تنعقد في الأيمان والإيلاء.
والثاني: لا تنعقد في الأيمان والإيلاء.
والثاني: حمل الجواب على ظاهره في الموضعين فيلزم في الإيلاء ولا يلزم في الأيمان لأن في الإيلاء حقاً لآدميين، فلم يسقط بإرادته، وهو في الأيمان من حقوق الله تعالى المحضة، فجاز أن يدين فيه على إرادته.