مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: "وَإِنْ قَالَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ".
قال في الحاوي: وهذا صحيح. إذا لم يذكر اسم الله تعالى، واقتصر على قوله: أقسم لا فعلت كذا، فقد اختلف الفقهاء في انعقاده يميناً على ثلاثة مذاهب:
أحدها: وهو مذهب الشافعي أنها لا تكون يميناً سواء أراد اليمين أو لم يردها.
والثاني: ما قاله أبو حنيفة: تكون يميناً أراد اليمين أو لم يردها.
والثالث: ما قاله مالك: إن أراد اليمين كانت يميناً، وإن لم يرد اليمين لم تكن يميناً، وهكذا. لو قال: أحلف لأفعلن كذا، فهو على هذا الخلاف، وكذلك لو قال: أشهد لأفعلن كذا كان على هذا الخلاف، فمذهب الشافعي في جميعه أنها لا تكون يميناً حتى يقرنه باسم الله تعالى، فيقول: اقسم بالله أو أشهد بالله، واستدل من جعله يميناً يقول الله تعالى: {إذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} القلم: 17. فدل على أن أقسمت يمين منعقدة، وقال تعالى: {إذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} المنافقون: 1. ثم قال: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} المنافقون: 2. فدل على أن "أشهد" يمين لازمة.
وروى راشد بن ربيعة عن عائشة رضي الله عنها قال: أهدت لنا امرأة طبقاً فيه تمر، فأكلت منه عائشة، وأبقت فيه تميرات، فقالت المرأة: أقسمت عليك إلا أكلتيه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بريها، فإن الإثم على المحنث" فجعلها يميناً ذات بر وحنث.
وروى عن عبد الله بن صفوان أنه أتى بأبيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبايعه فامتنع عليه، وقال: "لا هجرة بعد الفتح". فقال له العباس: الآن بررت قسمي، فسماه قسماً، ولأن عرف القسم في الشرع والاستعمال يكون بالله تعالى دون غيره، فوجب أن يكون إطلاقه محمولاً على العرفين فيه.
ودليلنا قول الله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} النور: 6 واللعان يمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لولا الأيمان لكان ليث ولها شأن" فدل على أن مطلق الشهادة لا يكونه يمينًا حتى تقترن بذكر الله.
ومن القياس أنه لفظ عري عن اسم وصفته فوجب أن لا تنعقد به يمين توجب الكفارة.
أصله إذا قال: أولى لأفعلن هذا، لأن الألية، والقسم واحد، وقياسًا عليه إذا حلف بغير الله من المخلوقات، ولأن اليمين المكفرة إذا كانت بلفظ معظم له حرمة فإذا