افترقنا أنا وأنت، أو والله لا فارق واحد منا صاحبه، حتى أستوفي حقي منك، فالحنث ها هنا واقع بفراق كل واحد منهما صاحبه، لانعقاد اليمين على فعلهما، فإن فارقه الحالف حنث إن كان ذاكرًا مختارًا، وفي حنثه إن كان مكرهًا أو ناسيًا قولان، وإن فارقه الغريم المحلوف عليه ذاكرًا مختارًا حنث الحالف، وإن فارقه مكرهًا أو ناسيًا، ففي حنث الحالف ما قدمناه من خلال البغداديين والبصريين في معاني هذه الأقسام في اليمين إذا كانت في الكلام أن يقول: والله لا كلمتك، فإن كلمة الحالف، حنث لعقد اليمين على كلام الحالف، وإن كلمه المحلوف عليه لم يحنث ولو قال: والله لا كلمتن فكلمه المحلوف عليه حنث، ولو كلمه الحالف لم لحنث لعقد اليمين على كلام المحلوف عليه، ولو قال: والله لا تكلمنا أو لا كلم واحد منا صاحبه، فأيهما كلم الآخر حنث لأن اليمين معقودة على كلام كل واحد منهما والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي: "ولو أفلس قبل أن يفارقه".
قال في الحاوي: وهذا راجع إلى من حلف لا يفارقه غريمه حتى يستوفي حقه منه فأفلس الغريم ففارقه لأجل الفلس الموجب لإطلاقه لا لخديعة، فلا يخلو حال فراقه من أن يكون بحكم أو بغير حكم، فإن فارقه بنفسه لما أوجبه الشرع من إنظار المعسر حنث، لأن أحكام الشرع إذا خالفت عقد اليمين لم يمنع من الحنث كمن غصب مالاً، وصف لا رده على صاحبه حنث برده عليه، وإن كان رده بالشرع واجبًا، لأنه رده عليه مختارًا، وهكذا لو دخل دار غيره وحلف لا خرج منها حنث بخروجه، وإن أوجبه الشرع، فأما إن حكم الحاكم عليه بمفارقته لما حكم به من فلسه، فهو في هذا الفراق مكره غير مختار، لأنه منسوب إلى إجبار الحاكم، فيكون في حنثه قولان من حنث المكره.
مسألة:
قال الشافعي: "أو استوفي حقه فيما يرى فوجد في دنانيره زجاجًا أو نحاسًا حنث في قول من لا يطرح الغلبة والخطأ عن الناس لأن هذا لم يعمده".
قال في الحاوي: إذا استوفي حقه في الظاهر ثم وجد فيه بعد فراقه نحاسًا أو رصاصًا أو زجاجًا لم يعلم به صار فيه كالمغلوب والناسي، فيكون في حنثه قولان:
أحدهما: يحنث اعتبارًا بوجود الفعل وإطراحًا للقصد.
والثاني: لا يحنث اعتبارًا بالقصد وإطراحًا للفعل.
وأما إذا أوجده معيبًا، وهو من جنس الحق، فهو على ضربين: