وكذلك لو قال: لا أبيع بيعًا فاسدًا لم يحنث وقلنا: لا يمكنك أن تبيع بيعًا فاسدًا فتحنث به. وقال أبو حنيفة: إذا قال لا أبيع بيعًا فاسدًا وأقبض حنث عند الإقباض؛ لأن الملك به يقع.
وفي التزويج سلم أنه لا يحنث بالفاسد إذا حلف بعقد من المستقبل، فإن حلف أنه لا يزوج وكان قد زوج تزويجًأ فاسدًا قال: يحنث 3/ ب وكذلك لو تزوج فاسدًا ثم قال: والله ما تزوجت حنث عنده، فيقيس الماضي على المستقبل. وقال مالك: يحنث بالبيع الفاسد والنكاح الفاسد بكل حال.
فرع
لو قال: والله ما صليت وكان قد صلى صلاةً فاسدةً لا يحنث. وقال محمد: يحنث وهذا غلط؛ لأن الفاسد لا يتناوله النهي في المستقبل كذلك في الماضي.
فرع آخر
لو قال: والله ما وهبت لفلان فوهب فلم يقبل، قد ذكرنا أنه لا يحنث في أصح الوجهين. وقال أبو حنيفة وبه قال ابن سريج: يحنث؛ لأن البذل أول العقد وهذا يبطل بالبيع؛ لأنه لا يعتق بالبذل حتى يعقبه القبول؛ لأن مجرد البذل لا يكون عقد فيهما. وكذلك لو علقه بالرهن والإجارة. وكذلك لو قال لا أُعيره فأعاره فلم يقبل لا يحنث خلافًا لأبي حنيفة، وعلل بأنه لا عوض في العارية، والمقصود ما يوجد من المعير فيحنث به، وهذا لا يصح لما ذكرنا.
مسألة: قال: "وإذا حلف لا يأكل الرؤوس".
الفصل
اعلم أنه إذا حلف لا يأكل الرؤوس لا يحنث إلا بأكل رؤوس النعم خاصة الإبل والبقر والغنم، فأما غيرها فلا يحنث بأكله. وقال أبو حنيفة: يحنث بأكل رؤوس الغنم والبقر دون الإبل. وقال أبو يوسف: يحنث بأكل رؤوس الغنم فقط، وقال: يحنث بأكل رؤوس الطيور والحيتان. ودليلنا أن اسم الرؤوس وإن كان يقع على كل رأس حقيقة إلا أن الذي يتعارف الناس أكله هو هذه الثلاثة، فإنها هي التي تتميز عن الأبدان وتقصد للأكل فحنث بأكلها دون غيرها، وهو معنى قول الشافعي: "لأن الأيمان مخصوصة بالعرف". وقيل: إنما اختلفت أجوبة العلماء هنا لاختلاف العادات في بلدانهم، ففي الحجاز تفرد رؤوس الغنم كلها فتسوى وتباع صحيحة مشوية. وفي الكوفة جرت العادة بذلك في البقر والغنم خاصة. وبغداد جرت العادة بذلك برؤوس الغنم خاصة، وكذلك 3/ أ بخراسان.
وأما إذا أكل رؤوس الصيد كالأرانب والغزلان والثعالب ونحو ذلك، قال: إلا أن يكون ببلد يكثر فيها الصيد كما تكثر فيها لحوم الأنعام في السوق وتميز رؤوسها فيحنث في رؤوسها. وإن كان ببلد يقل فيها الصيد ولا يكثر، قال أصحابنا: فيه وجهان: