أحدهما: لا يحنث؛ لأن إطلاق الاسم لا يتناوله.
والثاني: يحنث؛ لأن ما يثبت له العرف في بلد يثبت في سائر البلاد كخبز الأرز ولحم الفرس. قال أبو إسحاق: وعلى هذا إذا كان قوم في موضع من السواحل يأكلون السمك وتباع رؤوسها مفردة عندهم كما تباع رؤوس الغنم عندنا يحنث بأكل تلك الرؤوس أيضًا.
ومن هذا أفتى بعض علماء طبرستان أنه يحنث فيها بأكل رأس الحوت وعندي هذا التخريج خطأ؛ لأنه لا يشوى في طبرستان رأس الحوت كما يشوى رأس البقر والغنم خاصة. وإذا قال بالفارسية: سربريان نخورم، فإنه لا يحتمل ذلك رأس الحوت.
وقال في "الحاوي": إذا كان في بلدة يكثر فيها الصيد أو السمك، ويقطع رأسه عن جسده ويفرد بيعه في سوقه يحنث بأكله. ولكن هل يجوز عرف هذا البلد مقصورًا على أهله أم عامًا فيهم وفي الطارئين إليها؟ فيه وجهان:
أحدهما: خاص في أهلها دون الطارئين إليها تغليبًا لعرف الحالف، فإن دخل أهل الريف إلى بلاد الفلوات والبحار لم يحنثوا إلا برؤوس النعم، وإن دخل أهل الفلوات إلى أمصار الريف لم يحنثوا إلا برؤوس الصيد، وإن دخل أهل البحار إلى أمصار الريف لم يحنثوا إلا برؤوس الصيد، وإن دخل أهل البحار إلى أمصار الريف لم يحنثوا إلا برؤوس الحيتان.
الثاني: أنه عام في أهلها وفي الطارئين إليها تغليبًا لعرف المكان، فإن دخل أهل الريف إلى بلاد الفلوات حنثوا برؤوس الصيد، وإن دخلوا إلى بلاد البحار حنثوا برؤوس الحيتان، وإن دخل أهل الفلوات والبحار إلى الريف حنثوا برؤوس النعم.
3/ ب وفي بقاء حنثهم بعرف بلادهم وجهان:
أحدهما: باقٍ عليهم لاستقراره عندهم، فعلى هذا يحنث أهل الريف في بلاد الفلوات بأكل رؤوس الصيد وبأكل رؤوس النعم مع رؤوس الصيد، ويحنث أهل البحار فيها بأكل رؤوس الحيتان ورؤوس النعم.
والثاني: لا يزول عنهم عرف بلادهم بالانتقال عنها، فلا يحنث أهل الفلوات والبحار في بلاد الريف إلا برؤوس النعم، ولا يحنث أهل الريف في بلاد الفلوات إلا برؤوس الصيد، وفي بلاد البحر إلا برؤوس الحيتان.
وهذا كله إذا عللنا أن الشافعي حنثه برؤوس النعم لاختصاصها بقطع رؤوسها عن أجسادها وإفرادها ببيعها في أسواقها. ومن أصحابنا من علل بعلة أخرى، وهي أن عرف كلامهم متوجه إليها وإفراد أكلها مختص بها، فإنه لا يعرف ممن قال أكل الرؤوس إلا رؤوس النعم وغيرها يعرف بقرنيه، ولا يفرد بالأكل إلا رؤوس النعم وغيرها تؤكل مع أجسادها.
قال صاحب "الحاوى": في التعليلين امتزاج من وجه وتمييز من وجه، فعلى هذا هل