الكلام معه، هل يخرج عن مأثم الهجرة؟ فيه وجهان؛ قال أبو إسحاق: لا يخرج. وقال ابن أبي هريرة: يخرج؛ لأن المقصود نفي الوحشة التي بينهما وعودهما إلى ما كان عليه من الأنس.
ومن أصحابنا من قال في أصل المسألة: لا يحنث قولًا واحدًا، وما ذكر في "القديم" أراد به في الورع، وأراد أنوى في يمينه المكاتبة والمراسلة.
ومن أصحابنا من قال: هذا في المعاتبة بحيث جرت العادة بالمكاتبة والمراسلة، فإن كان معه في المجلس فكتب إليه رقعة لم يحنث قولًا واحدًا.
فرع
لو حلف لا يكلم فلانًا فكلم غيره بكلامٍ سمعه، فإن لم يكن فيه تعريض له لم يحنث، وإن كان فيه تعريض له، فإن كان مواجهًا بالكلام حنث به؛ لأنه قد صار مكلمًا له، وإن كان غير مواجهًا له لم يحنث. وقد روي عن عائشة - رضي الله عنها - لما أرادت الخروج إلى البصرة أشارت عليها أم سلمة ألا تفعل، وحلفت عليها إن خرجت أن لا تكلمها، فلما خرجت وعادت إلى المدينة، قالت أم سلمة: عليها إن خرجت أن لا تكلمها، فلما خرجت وعادت إلى المدينة، قالت أم سلمة: يا حائط ألم أقل لك، يا حائط ألم أنهك، فبلغت غرضها وسلمت من الحنث.
فرع
لو كان الحالف إمامًا والمحلوف عليه مصليًا خلفه فسلم في الصلاة، فالحكم فيه كما ذكرناه إذا سلم على جماعة وهو فيهم في قياس المذهب.
وقال أبو حنيفة: لا يحنث؛ لأن سلام الصلاة ليس بكلام 22/ ب كتكبيرها وهذا لا يصح؛ لأنه شرع له أن ينوي السلام على الحاضرين، وليس كالتكبير فإنه يخرج بالسلام من الصلاة وينافيها، ولو قدمه عامدًا عن موضعه بطلت صلاته.
مسألة: قَالَ: "وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرَى كَذَا إِلَّا رَفَعَهُ" إلى فلان القاضي ثم رآه نُظر، فإن رفعه إليه بَّر، وإن لم يرفعه إليه مع الإمكان حتى مات القاضي أو هو حنث؛ لأنه فاته رفعه إليه بتفريط من جهته، وإن أمكنه رفعه إليه إلا أنه حجب عن القاضي ومنع من رفعه إليه حتى فات بموته هل يحنث؟ فيه قولان، وإن لم يمكنه رفعه إليه حتى مات القاضي أو هو، مثل أن يرى فيموت القاضي عقيبه من غير أن يكون بين الرؤية وبين موته زمان يمكن رفعه إليه، أو يرى فيخرج في الحال ثم يموت هو في الطريق.
قال أبو إسحاق: لا يحنث قولًا واحدًا؛ لأن ما لم يمكنه رفعه إليه فهو كما لم يره، وإنما يلحقه الحنث إذا أمكنه الرفع مع الرؤية، ووافقه بعض أصحابنا على هذا وقال: القولان في المكره الذي أدركه زمان الرفع فمنع. وقال أبو حامد: في هذا قولان أيضًا كالمكره، والأول أصح. فإن قيل: قال الشافعي رضي الله عنه: "لو حلف لا يرى كذا إلا رفعه آلي قاضٍ" فنكر ولم يعين فلم يصح حمل المسألة على تعيين القاضي؟ قلنا: الشافعي لم يحك لفظ الحالف وإنما هو لفظه، ألا ترى أنه لو وصل به إلى قاضٍ سماه