وعينه كان صحيحًا فثبت ما قلناه.
قال الشافعي رضي الله عنه: "وَلَوْ عُزِلَ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَرْفَعَهُ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ قَاضِيًا فَلَا بَجِبُ رَفْعُهُ إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌُ خَشِيتُ أَنْ يَحْنِثَ إِنْ لَمْ يَرْفَعْهُ إِلَيْهِ". ومعنى هذا الكلام أنه إذا سمى القاضي وعنيه ثم رأى الأمر الذي حلف على رفعه 23/ أ إليه فلم يرفعه حتى عزل عن القضاء يُنظر، فإن قال: ما دام قاضيًا أو نوى ذلك بقلبه، فهو بمنزلة موته حتى عزل عن القضاء يُنظر، فإن قال: ما دام قاضيًا أو نوى ذلك بقلبه، فهو بمنزلة موته على ما بيناه فأغنى عن الإعادة، وإن لم يقل ذلك ولا نية له، قال الشافعي: "حشيت أن يحنث إن لم يرفع فيه". قال أبو إسحاق: إنما علَّق الشافعي القول في حنثه ولم يقطع؛ لأنه لم يقتصر على اسمه حتى وصفه بالقضاء، فيمكن أن يكون هذا شرطًا ويمكن أن يكون هذا شرطًا، وتكون الإشارة واقعة على العين دون الصفة.
وقال بعض أصحابنا: فيه وجهان:
أحدهما: أنه إشارة إلى العين والصفة؛ لأنه سمى ووصف فتعلق بهما. وقال أبو حنيفة: لأن الرفع إليه لا يكون إلا في حال الولاية.
والثاني: لا يتعلق بالصفة وإنما يتعلق بالعين ويكون ذكر الصفة زيادة في معرفة العين وهو الصحيح، وهو ظاهر مذهب الشافعي رضي الله عنه؛ لأنه قال: "فإن لم يرفعه بعد عزله خشيت أن يحنث"، فنص على الحنث، فدل على أنه كان أقوى في نفسه، وهذا اختيار القاضي الطبري. قال: والدليل عليه أن رجلًا لو قال: والله لا ركبت دابة فلان بن فلان القاضي، ثم عزل فركب دابته حنث، وإن لم يكن قوله: القاضي إلا زيادة في تعريف عينه، فيجب أن يكون هنا مثله.
فإذا ثبت هذا وقلنا: القضاء لا يتعلق به اليمين، فإنه يرفعه إليه بعد عزله ويبر، فإن لم يرقعه حنث. وكذلك ما يراه بعد عزله يحتاج أن يرفعه إليه، فإن لم يفعل حنث. وإذا قلنا: يتعلق اليمين بالقضاء، فإذا عزل كان كما لو مات على ما قدمناه.
فرع
لو لم يسم فقال: لا أرى منكرًا إلا رفعته إلى قاضٍ، فإن كان قاضيًا أو عزل ثم رآه فعليه رفعه إلى القاضي بعده؛ لأنه لم يخص قاضيًا دون قاضٍ، فإن مات الذي كان قاضيًا 23/ ب وقت يمينه قبل الرفع إليه أو عُزل وولي غيره رفعَهُ إليه برَّ بيمينه ولا يحنث هاهنا حتى يرى منكرًا ويمكنه الرفع إلى قاضٍ، ولا يرفعه حتى يموت فيحنث به.
فرع آخر
لو قال: لا أرى منكرًا إلا رفعته إلى القاضي، قال أبو إسحاق: هذا التعريف وهو القاضي في بلده؛ لأنه المعروف والمعهود، ولو أمكنه الرفع إلى قاضي بلده في ذلك الوقت فلم يرفعه حتى مات ذلك القاضي حنث، ولا يبر بأن يرفع إلى القاضي بعده.
ولم يذكر أبو إسحاق في هذا القسم إذا رأى بعد موت قاضي البلد وتقليد غيره كيف الحكم، ويجب أن يقال: لا يجب رفعه إليه؛ لأن التعريف عنده تعلق بالقاضي الموجود في حال يمينه، ويكون حكم هذا القسم حكم مسألة الكتاب، فإن التعريف إذا رجع إليه كان بمنزلة ما لو عنيه وعرّفه بيمينه. وقال القاضي الطبري: هذا مذهب أبي