وروى عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وكفارةَ النذر كفارةَ اليمين، وهذا معتبر في نذر اللجاج، فإن في نذر النذور لا تجري الكفارة، وروي عن أبي رافعٍ أن مولاته حلفت بالمشي إلى بيت الله، وكل مملوك لها حر؛ وهي يومًا يهوديةً ويومًا نصرانيةً، وكل شيء لها في سبيل الله إن لم تفرق بينه وبين امرأته، فسألت (29) / أ ابن عمر، وابن عباس، وآبا هريرة، وعائشةً، وحفصةً، وأم سلمه - رضي الله عنهم - فكلهم: كفري عن يمينك وخلي بينهما، ففعلت وروى عمران بن حصين - رض الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين".
وأما ما ذكره النخعي فلا يصح؛ لأنه ألزمهُ وهو قربةً في نفسه فيستحيل ألا يلزمه شيء، وأما ما ذكره ربيعةً فلا يصح؛ لأن الزكاةً تجب مواساةً من المال، وهاهنا تصدق بجميعه، وأما ما ذكره مالك، قلنا: أبو لبابةً كان من الثلاثةَ الذين خلفوا، فأراد أن يتبرع بماله على سبيل الله والشكر، ولم يكن أوجب ذلك؛ لأنه يقابله ما روي أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه -تصدق يجمح ماله فأقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك.
وأما ما ذكره أبو حنيفةَ فلا يصح؛ لأن نذر التبرر لم يخرج مخرج اليمين بخلاف هذا، وأما ما ذكره جابر بن زيدٍ فلا يصح لما ذكرناه.
فإذا تقرر هذا فما تعلق بهذا النذر على ثلاثة أضرب:
أحدها: صدقة المال، أو الصوم، آو الصلاة، أو الاعتكاف، فإذا وجد شرطه تخير على المذهب الصحيح.
والثاني: إن تعلق به طلاقًا أو عتاقًا يلزمه ذلك عند وجود الشرط؛ لأنهما ينتجزان عند وجود الشرط، وصورته أن يقول: إن كلمت فلانًا فعبدي حرٌ، أو امرأتي طالق، ولو قال: إن كلمت فلانًا فلله علتي أن أعتق عبدًا، فكلمه كان مخيرًا بين العتاق والكفارةً على ما ذكرنا، والفرق أنه رفع العتق والطلاق بشرط هناك، فإذا وجد الشرط وقعا، وهاهنا التزم في الذمةً بالشرط، فإن لم يكن الشرط فيه عوضًا لم يلزم.
والثالث: 29/ ب إن تعلق به حجًا فالمنصوص أنه مخير، ومن أصحابنا من قال: يلزمه الحج، والفرق بينه وبين سائر العبادات آن الحج يلزم بالدخول فيه، فكذلك بالنذر بخلاف الصوم والصلاةَ.
ومن أصحابنا من قال: قال المزني: قال الشافعي - رضي الله عنه -: ومن حنث بالمشي إلى بيت الله الحرام ففيه قولان: أحدهما: قول عطاء عليه كفارةَ يمين، ومذهبه أن أعمال البر لا تكون إلا في فرض الله تعالى، وسكت الشافعي عن القول الثاني