إيجاب الوفاء. ومنهم من أراد بالقول الثاني التخيير بين الوفاء وبين الكفارة؛ ففي هذه المسألة ثلاثةَ أقاويل كالمسألة الأولى، وهي منصوصةً في مواضع متفرقةٍ.
ومن أصحابنا من قال: ليس على قولين عنده، وإنما حكي خلاف الناس على قولين، واختار لنفسه قول عطاء، ومعناه أنه يجزئه كفارةَ اليمين لا أنه تتعين الكفارة، ومن خرج من هذه المسائل على قولين فإنما خرج القول الآخر من الاعتكاف على ما ذكرنا، وقدر المزني أنه خرجه على قولين فقال: قطع بأنه قول عددٍ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -والقياس، فلا وجه للقول الآخر، والجواب عنه ما ذكره هذا القائل.
قال المزني: وقد قال الشافعي في موضع آخر: لو قال: لله علتي نذر حج إن شاء فلان، فشاء لم يكن عليه شيء، إنما النذر ما أريد به الله تعالى ليس ما أريد به الخلق، الخلق والثاني غير الناذر، فمال المزني إلى هذا القول وهو إيجاب الكفارةً،
وقال بعض أصحابنا بخراسان: هو الكفارةَ كما في الأيمان يحنث لا يتخير بينهما وبين غيرها، وهو ظاهر قول عطاء، وهو القياس. وقال في "الحاوي": (30) / أ إذا علق به الحج قال في "الأم": فيه قولان، فوهم أبو حامد وخرج مذهبه على قولين؛ أحدهما: يتخير، والثاني: يلزمه الحج؛ لأن الحج في الالتزام بخلاف الصدفةَ، والصوم، والصلاةً.
وقال جمهور أصحابنا مذهبه لا يختلف فيه كما لم يختلف في غيره، وأنه مخير بين الحج والكفارة قولًا واحدًا كما في الصدقةَ والصلاةً، وحملوا قول الشافعي: "فيه قولان" أي تفقهًا؛ لأن لهم في الصدقةً أقاويل وليس لهم في الحج إلا قولان، ومذهبه التخيير قولًا واحدًا في الكل.
وأما قول الشافعي هاهنا: "والتبرر أن يقول: لله علي إن شفاني الله أن أحج له نذرًا قال أصحابنا هذا يدل على أنه إذا قال: لله عليّ آن أتصدق بمالي لم يلزمه شيء حتى يعلقه بمعنى، فيقول: إن شفي الله مريضي، أو رد على غائبي، أو آتاني مالأ". ومن أصحابنا من قال: لا يدل على هذا المعنى؛ لأن الشافعي قال: "لو قال فه علي آن أحج في عامي هذا كان عليه أن يحج" وإنما أراد الشافعي أن يبين أن أقل اليمين يخالف النذر، وهذا ظاهر المذهب. وقد فرع في مسائل الاعتكاف ولم يشترط فيه آن يكون على المجازاةً، وبه قال ابن سريج، وابن أبي هريرةً، والأصطخري، ولأن نذر الهدي المسمى لبيت الله الحرام لا يتعلق بالمجازاة بالإجماع، وكذلك إيجاب الضحايا، وكذلك سائر القربات والطاعات، فحصل من هذا أن النذر ضربان: نذر تبرر، ونذر لجاج وغضب.
فأما نذر اللجاج فيه طرق؛ أحدها: قول واحد وهو التخيير.
والثانيةً: قولان التخيير والوفاء.
والثالثةً: ثلاثةَ أقوال على ما ذكرنا.