والرابعة: قولان كفارةَ اليمين والتخيير.
والخامسةُ: قول واحد وهو كفارةَ اليمين، وهو اختيار كثير من مشايخ خراسان.
وأما نذر التبرر ضربان: أحدهما: ما يقصد به المجازاةً بأن يستجلب نعمةً، مثل أن يقول: إن رزقني الله ولدًا أو علمًا، أو شفي مريضي فلله عليّ كذا، أو يدفع به نعمةً بأن يقول: 30/ ب إن نجاني الله من ظلم فلانٍ أو من الغرق أو الحرق؛، فلله علي كذا، فهذا يلزمه الوفاء به بلا خلاف عند وجود الشرط لقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} المائدة: (1)، وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} التوبة: (75) الآية، فذم من لم يف بنذره، ولأنه في مقابلةً شرط بمنزلة المعاوضات، فإذا وجد الشرط لزم كما يلزم الثمن في مقابلة الثمن.
والثاني: ما يبتدئ به النذر مطلقًا من غير المجازاةً فهو على خلافٍ، بين أصحابنا؛ فقال الجمهور: يلزم الوفاء به قولًا واحدًا، وبه قال أبو حنيفة - رحمه الله وقال أبو إسحاق والصيرفي: لا يلزم الوفاء به، وبه قال أبو يوسف، وهذا لأن حقوق الآدميين إنما تلزم ما كان في مقابلها عوض كالبيع وما لا عوض في مقابلها لا تلزم، فكذلك حقوق الله تعالى بالنذر لا تجب إلا أن يكون في مقابلته عوض.
وحكي غلام ثعلب عن ثعلب أنه قال: النذر عند العرب وعد بشرطٍ، ودليلنا أنه ألزم نفسه غرامةً على وجه التبرر فيلزمه كما لو ألزم نفسه أضحيته، وأما ما ذكر ثعلب فلا يصح؛ لأن العرب تسمي الملتزم نذرًا. وأما ما ذكروه فلا يصح؛ لأن الأضحيةً والضمان عن الغير يلزمان بغير عوض، ومن أصحابنا من قال: فيه قولان مخرجان، آو وجهان، والصحيح الطريقة الأولى.
فرع
لو قال: إن رأيت فلانًا فلله عليّ أن أحج، سئل فإن قال: أردت إن رزقني الله رؤيته فرأيته كان عليه الحج. وإن أراد به اليمين كان حالفًا فيتخير بين الوفاء وبين كفارةً اليمين.
قال أصحابنا: وكذلك لو قال: إن دخلت مكة فلله علىّ أن أعتق رقبةً، فإن أراد إن رزقني الله دخولها فهو نذرٍ، وإن أراد معنى اليمين، آي لأدخلنها فهو مخير على ما ذكرنا. وكذلك لو قال: إن سلمت علىّ فلان فلله علتي كذا، يحتمل هذين المعنيين.
فرع آخر
لو قال: إن دخلت الدار (31) / أ فمالي عليّ حرام فهو موقوف على ما حرمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على نفسه في ماريةُ القبطيةُ حتى أنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} التحريم: (1) الآيةً، روى الأكثرون أنه حرم ماريةَ، فعلى هذا لا يلزم الحالف في تحريم غير ذات الفروج من ماله شيء، ويكون اليمين فيه لغوًا، وروي أن الذي حرمه الغسل فعلى هذا يلزم الحالف تحريم ماله، وعليه كفارة يمين كما يلزم في تحريم ذات الفروج كفارةَ يمين.