فرع آخر
لو نذر أن يأتي عرفة أو أمراً أو قريباً من الحرم، قال الشافعي - رضي الله عنه -: لا يلزمه شيء؛ لأن هذه مواضع من الحل لا يلزم الإحرام بقصدها، وقد صحف في بعض النسخ فقيل: منى بدل أمراً، وهو غلط؛ لأن منى من الحرم، وأراد بالمر مر الظهران وهو من الحل.
وقال في "الحاوي": لو قيل: ينعقد النذر ونذر المشي إلى عرفة كان مذهباً، ويكون المنعقد بنذره الحج دون العمرة لاختصاص عرفة بالحج، وهذا لأن قصد عرفة يجب بالشرع فوجب بالنذر بخلاف الميقات؛ لأنه لا يلزم قصده شرعاً لانعقاده بالإحرام قبلها وبعدها.
مسألة: قَالَ: "وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ لَمْ يُجْزِئْهُ بِغَيْرِهَا".
الفصل
اعلم أنه إذا نذر أن ينحر بمكة ويفرق اللحم فيها يلزمه ذلك؛ لأنه طاعة وقربة، ولا يجوز ذلك في غيرها كالنحر الواجب في الإحرام لا يجزئه في غيرها. ولو نذر أن ينحر في مكة فقط ولم يذكر تفرقة اللحم ولا نوى ذلك، يلزمه ذلك وتفرقة اللحم هناك أيضاً؛ لأن النحر يتضمن تفرقة اللحم كما في الهدي الشرعي، نص عليه. ومن أصحابنا من قال: يلزمه النحر بها ويفرق اللحم حيث شاء؛ لأن النحر فيها قربة فيلزم بالنذر، ولا يلزمه شيء آخر لم يسمه في نذره.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: لا يلزمه تفرقة اللحم إلا أن ينوي ذلك ويلزمه النحر فقط؛ لأنه قربة وقد بذله وعده. ولو نذر أن ينحر بغير مكة من البلدان 43/ أ نقل المزني أنه يجب عليه النحر وتفرقة اللحم على مساكين ذلك الموضع. واختلف أصحابنا في هذا، فذهب أبو إسحاق إلى ظاهر هذا النقل، وأوجب النحر وتفرقة اللحم على مساكين البلد الذي نذر قياساً على النذر بمكة.
وقال سائر أصحابنا: لا يجب النحر هناك إلا أن يشترط مع النحر التصدق بلحمه على مساكينه، أو ينوي ذلك بقلبه، فأما إذا عرى عن ذلك الشرط والنية لم يجب، ويفارق النذر بمكة؛ لأن النحر تفرقة اللحم على مساكين الحرم واجبٌ في الشرع، فحل مطلق نذره مقتضاه، وهذا هو الصحيح، وقد نص في "الأم" على هذا، فقال: "وإذا نذر أن ينحر بمكة لزمه أن ينحر بها" لن النحر بمكة بر.
ولو نذر أن ينحر في غيرها لم يلزمه؛ لأنه لا برَّ فيه إلا أن يريد التصدق بلحمها فلا يجوز أن يفرق إلا حيث نحر، هكذا ذكر القاضي أبو حامد صاحب "الإفصاح".
وقيل: إن المزني أخل بالنقل، وإنما ذكر الشافعي - رضي الله عنه - لو نذر أن ينحر