وقال مالك والأوزاعي: يسلم تسليمة واحدة بكل حال. وروي عن ابن عمر وأنس بن مالك، وسلمة بن الأكوع وعائشة والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم، واحتج بما روت عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلم في الصلاة تسليمة واحدة، تلقاء وجهه، وكان يميل إلى شقّه الأيمن قليلًا"، قلنا: قبل رواية عمرو بن أبي سلمة، وهو ضعيف، فإن ثبت لعله كان في الأول، ثم نسخ.
وذكر بعض أصحابنا بخراسان: إن قوله القديم مثل قول مالك، وهو غلط، فإذا قلنا: يسلم تسليمة واحدة، نقل كما روت عائشة رضي الله عنها، وإذا قلنا: يسلم تسليمتين سلم عن يمينه وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى بياض خديه إمامًا، كان أو مأمومًا.
واختلف أصحابنا في هذا، فمنهم من قال: معناه حتى يُرى خدُّه الأيمن عن الجانب الأيمن وخده الأيسر 98 ب/ 2 عن الجانب الأيسر، ومنهم من قال: معناه حتى يرى خداه من الأيمن، ثم من الأيسر، وعليه يدلّ خبر ابن مسعود رضي الله عنه، واللفظ يحتمل الوجهين.
وفرع الشافعي على هذا فقال: "إذا سلم الإمام تسليمة واحدة على اعتقاده، فالمأموم يسلم تسليمتين ولا يتبعه فيما يفعل"، لأنه خرج من إمامته، وبهذا فارق إذا ترك الإمام التشهد الأول تابعه المأموم، ولا يقرأه، لأنه لم يخرج عن إمامته ههنا، فيلزمه متابعته.
وما قدر الإجزاء فتسليمة واحدة، قال في "الأم": أقل ما يكفيه من تسليمه السلام عليكم، فإن نقص منه حرفًا عاد فسلم، فإن لم يفعل حتى قام عاد فسجد للسهو، ثم سلم، فإن تطاول الفصل استأنف الصلاة قولًا واحدًا.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: هل يبني أم يستأنف؟ قولان. كما لو ترك سجود السهو وتطاول الفصل بعد السلام هل يعيد؟ قولان: وهذا ضعيف، لأن ههنا ترك ركنًا بخلاف ذاك. وقال الحسن بن صالح رضي الله عنه: عليه تسليمتان، وهذا أصحّ الروايتين عن أحمد. واحتجوا بخبر ابن مسعود رضي الله عنه في السلام، وهو غلطٌ لخبر عائشة رضي الله عنها في السلام، وخبرهم محموٌل على الاستحباب.
فرع
لو قال: سلام عليكم، ولم يُنَوِّنْ لا يجوز قولًا واحدًا، وإن قال: سلامٌ عليكم بالتنوين، فيه وجهان: