قال أصحابنا: ولا يجلس في بيته وإن أذن عليه؛ لأنه ليس ببارز، ويقع فيه الحجاب ولا يعرف من جاء إليه بجلوسه، ولاسيما إذا كان غريباً.
قال أصحابنا: وإذا كان بارزاً لا يحتاج مع البروز إلي الاستئذان وإذنٍ، ولو نظر بينهم في داره التي لا يدخلها أحد إلا بإذنه جاز ولم يكره إن قل، لما روي عن أم سلمه- رضي الله عنها- أنها قالت: اختصم إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان من الأنصار في مواريث متقدمٍة فقضي رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما في بيتي.
وروي أنه كان بين عمرو وأبي كعب- رضي الله عنهما- منازعة فأتيا زيد ين ثابت في بيته فقضي بينهما، وقال لعمر-رضي الله عنه: لو أمرتني لجئتك، فقال: في بيته يؤتي الحكم.
ولو كثرت المحاكمات 78/ أ عدل عن النظر في داره التي تحوج إلي الاستئذان إلي المجلس الذي وصفناه بالشرطين المتقدمين، وإن كان حكمه نافذاً في الأحوال كلها ويكره أن يكون له حاجب علي أن يكون وصول المتحكمين إليه موقوفاً علي إذنه؛ لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ولي من أمر الناس شيئاً فاحتجب حجبه الله يوم القيامة". وروي أن أبا مريم ألأسدي قدم علي معاوية، فقال له معاوية: ما أقدمك؟ قال حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من ولاه الله من أمر الناس شيئاً فاحتجب عن حاجتهم وخلتهم وفاقتهم احتجب الله يوم القيامة عن حاجته وخلته وفاقته".
وروي أن عمر -رضي الله عنه - قلد سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه- الكوفة، فقضي فيها زماناً بغير حاجب، ثم اتخذ حاجباً، فعزل عمر- رضي الله عنه- حاجبه. ولأنه ربما منع الحاجب ذا ظلامةٍ لهوى، وربما استعجل على الإذن وارتشى.
قال أصحابنا: فإن أتخذ حاجباً في غير مجلس الحكم لم يكره له، بل إذا احتجب عن الناس في غير مجلس الحكم وزمانه كان أحفظ لحشمته وأعظم لهيبته فيكون أولي. ومن قال يكره للقاضي اتخاذ الحاجب في زمان الاستقامة وسداد أهله، فأما في زمان الاختلاط والتهارج واستطالة السفهاء والفادغة، فالمستحب له أن يتخذ حاجباً لحفظ هيبته ويمنع من استطالة الخصوم، وبهذا أقول في زماننا هذا.
وقال الإقفال: لا يكره ذلك في وقت الحكم ليدفع الزحام عنه، فيكون في الحقيقة مرتباً لا حاجباً، ويكره في الأوقات الأخر؛ لأنه ربما يجئ صاحب حاجةٍ فيدفعه عنه، وهذا حسن.