فرع آخر
لا يكره للأئمة اتخاذ الحُجاب، 78/ ب بل يستحب لهم؛ لأنهم ينظرون في عموم الأمور، فيحتاجون أن يفردوا لكل نظر وقتاً يحرسه الحجاب عليهم ويمنعوا من دخول أصناف الناس من عير أوقاتهم، وقد روي أنه كان علي باب عمر- رضي الله عنه- حاجب يسمي يرفا، فاجتمع علي بابه أبو سفيان وسهيل بن عمرو، وسلمان وبلال، وصهيب، وجماعة من وجوه العرب، فأذن لسلمان وصهيب وبطلاب-رضي الله عنه- فتعمر وجه أبي سفيان، فقال له سهيل بن عمرو: يا أبا سفيان، إن هؤلاء دعوا ودعيت، فأجابوا وتأخرت، ولئن حسدتهم اليوم علي باب عمر بن الخطاب لأنت عدا أشد حسداً لهم علي باب الجنة.
ولأنه لولا الحجاب لما تميز هؤلاء بالسابقة، ولا ترتب الناس بحس فضائلهم وأقدارهم.
وحكي أنه استصعب الإذن علي المغيرة بن شعبة في خلوةٍ أرادها مع عمر- رضي الله عنه- فرشا يرفا حتى سهل له الإذن عيه، وكان يسأل يرفا أن يجس في الدهليز إذ تعذر عليه الدخول حتى يظن الناس انه وصل حتى تظهر له منزلة الاختصاص بعمر رضي الله عنه.
وفي مثل هذا يكره الحجاب؛ لأن الحاجب ربما فعل مالا يراه المحتجب، وقد كان الحسن حاجب عثمان، وقنبر حاجب علي رضي الله عنهم.
فرع آخر
الشروط المعتبرة في الحجاب نوعان؛ واجب ومستحب، فالواجب ثلاثة؛ العدالة، والعفة، والأمانة. وأما المستحب فخمسة، أن يكون حسن المنظر، جميل المخبر عارفاً بمقادير الناس، بعيداً عن الهوى والعصبية، معتدل الأخلاق بين الشراسة واللين.
مسألة: قال: "وأن يكون في غير المسجد لكثرة الغاشية والمشاتمة بين الخصوم، في أرفق الأماكن به وأحرها ألا تسرع ملالته فيه".
أعلم أنه يكره للقاضي أن يجعل المسجد مجلساً لقضائه صغر المسجد أو كبر، وهذه كراهته تنزيه لا تحريم، وبه قال عمرين عبد العزيز وسعيد بن المصيب. وقال مالك، والشعبي، وشريحة، وأحمد، وإسحاق: لا يكره بحالٍ. وروي ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم. وعن أبي حنيفة روايتان:
إحداهما: أنه يكره.
والثانية: أن لا يكره في المسجد الأعظم.
وقال ابن أبي ليلي: يستحب له القضاء فيه، لأنه طاعة. واحتجوا بما روي عن