فرع آخر
قال أصحابنا: لا يكره القضاء في المسجد في حالتين:
إحداهما: ما ذكرنا في موضع الاتفاق من غير قصدٍ.
والثانية: إذا لزم تغليظ الأيمان بالمكان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غلظ لعان العجلاني في المسجد.
فرع آخر
قال أصحابنا: ولا يكره فيه الجلوس للفتيا وتعلم القرآن والعلم؛ لأنه ليس فيه ما ذكرنا في القضاء.
وأما قول الشافعي -رضي الله عنه-: في أرفق الأماكن به أراد أن يكون في موضع لا يتأذى منه بالشمس والغبار والدخان، والرائحة الكريهة؛ لأن عمر - رضي الله عنه - كتب إلى أبي موسى - رضي الله عنه: إياك والغضب والقلق والضجر، وهذه الأشياء تفضي إلى الضجر، وتمنع الحاكم من التوفر على الاجتهاد، وتمنع الخصوم من استيفاء الحجة، فإن حكم مع هذه الأحوال صح حكمه كما يصح إذا حكم في حال الغضب مع النهي الوارد فيه، وهكذا لا يجلس في موضع ضيق لا تصل إليه العجوز والشيخ والضعيف. وقيل: أراد به أن يكون الموضع إن احتاج فيه إلى البول والغائط قدر عليه، وإن عطش شرب الماء فيه، وإن جاع أكل فيه الطعام؛ لأنها أحوال لا يستغني القاضي عنها.
وقال بعض أصحابنا: يبني له دكة عظيمة في ساحة واسعة، وإن كان على باب داره دكة واسعة يجلس عليها، أو جلس في دهليز داره مفتوح الباب وكان واسعًا يراه الناس كان حسنًا. وقال بعض أصحابنا بخراسان: توطأ له فرشة ويجعل له متكأ ويوضع له وسادة ليكون أرفق به وأحبب له عند الحضور حتى لا يمل.
مسألة: قَالَ: "وَأَنَا لإِقَامَةِ الحَدِّ فِي المَسْجِدِ أَكْرَهُ".
إنما قال ذلك لما روى ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم 80/ ب قال: "لا تقام الحدود في المساجد" وروى حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى أن تقام الحدود في المساجد، وأن يستقاد فيها.
وروى أن عمر -رضي الله عنه- أُتي برجل في شيء فقال: أخرجاه من المسجد واضرباه. وروي أن عليًا -رضي الله عنه- أُتي بسارق في المسجد فقال: يا قنبر، أخرجه من المسجد واقطع يده.