المحاباة إذا لم يعلم من بايعه أنه وكيل القاضي.
فرع آخر
قال في "الأم": "ولو اشترى أو باع لم أنقص البيع ولا الشراء لأنه ليس بمحرم".
وحكي عن أبي حنيفة -رحمه الله- أنه قال: لا يكره له تولي البيع والشراء بنفسه، ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: "ما عدل والٍ اتجر في رعيته أبدًا".
وقال شريح: شرط عليَّ عمر -رضي الله عنه- حين ولاني القضاء ألا أبيع ولا أبتاع، ولا أرتشي، ولا أقضي وأنا غضبان.
فإن قيل: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيع ويشتري؟ قيل: لأن الله تعالى نزه رسول صلى الله عليه وسلم عما يتوجه إلى غيره من التهمة، فقال: "وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ" التكوير: 24، أي بمتهمٍ، ولأنه ما فعل بعد النبوة إلا نادرًا قصد بها بنيان الأحكام. 82/ ب.
فرع آخر
إذا لم يجد بدًا من مباشرة البيع والشراء وقد احتكم إليه، اخترنا له أن لا ينظر في حكومته بنفسه ويستخلف من ينظر فيها حتى لا يتهم، فإنه وإن حكم بالحق فإنه لا يؤمن أن يكون قلبه أميل إليه من خصمه إن باشره، أو إلى خصمه إن عاشره.
مسألة: قَالَ: "وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنِ الوَلِيمَةِ".
الفصل
اعلم أن إجابة الداعي إلى الوليمة واجبة على غير القاضي على ما تقدم بنيانه، فأما على القاضي قال بعض أصحابنا: إنها واجبة إلا أن يحللوه؛ لأن الشافعي -رضي الله عنه- قال: "ولا أحب أن يتخلف عن الوليمة"، أو إما أن يجيب كلًا أو يترك كلًا فلم يجعلها واجبة، بل جعلها مستحبةً، وهذا لأنه أجير المسلمين، وفي مروره إلى الولائم ربما يحصل الضرر بالخصوم، فإنه لا يدري متى يتحاكم إليه، فأزيل عنه الوجوب وبقي الاستحباب.
ومن أصحابنا من قال: في الأئمة والقضاة ثلاثة أوجهٍ:
أحدهما: أنه كغيرهم.
والثاني: لا يلزمهم الإجابة لاختصاصهم بمصالح المسلمين، وبه قال ابن أبي هريرة.
والثالث: إن كان مرتزقًا لا يحضر، لأنه أجير المسلمين، وإن لم يكن مرتزقًا يلزمه الإجابة.
فتكون الإجابة على الوجه الأول فرضًا يأثم بتركها، وعلى الوجه الثاني الإجابة مستحبة يكره تركها، وعلى الوجه الثالث الإجابة مفضلة باعتبار حاله في الارتزاق والتطوع.