أحدها: أن يقول: حبسني تعزيرًا في اللدد كان مني ولم يحبسني خصم، فقد استوفي حق التعزير بعزل الأول، وأن يستكمل مدة حبسه مع بقاء نظر الأول؛ لأن القاضي الثاني لا يعزر لذنبٍ كان مع غيره، ولم يطلقه لجواز أن يكون له خصم لم يذكره حتى ينادي أيامًا بأن القاضي قد رأى إطلاق فلانٍ من حبسه، فإن كان له خصم قد حبس له فليحضر، فإذا مضت ثلاثة أيام ولم يحضر له خصم أطلقه بعد إطلاقه أنه ما حبس بحق خصمٍ.
والحالة الثانية: أن يقول: شهد الشهود عليَّ بحقٍ له ولكن لم تثبت عدالتهم فحبسني لتعديلهم، فاختلف أصحابنا في جواز الحبس لاستكشاف حال الشهود، فقال أبو إسحاق: يجوز؛ لأن الخصم قد أتى بما عليه، وإنما بقي الاستكشاف الذي إلى الحاكم. وقال الإصطخري: لا يجوز ذلك؛ لأنه ربما لا يعد لأن يكون حبسًا بحقٍ.
فإن قلنا بقول أبي إسحاق يرد إلى الحبس حتى يسأل عن أحوال الشهود. وإن قلنا بقول الإصطخري عليه بتكامل البينة بالعدد والصفة.
وقال بعض أصحابنا: إن قلنا بقول الإصطخري وكان القاضي قال: حكمت بحبسه لزوم حبسه 86/ ب باجتهاده، ولا يجوز إطلاقه، وإن لم يقل حكمت وجب إطلاقه، ولكن لا يعجل بإطلاقه حتى ينادي في الناس ثلاثة أيام على ما ذكرنا.
والحالة الثالثة: أن يقول: حبسني تعديًا بغير حقٍ ولغير خصم فقد ادعى ما يخالف الظاهر من أحوال القضاة، وحبسه حكم فلا ينقص إلا بتعيين الفساد، وعمل على بينةٍ إن كانت، فإن شهدت أنه حبس بحقٍ عزر في جرحه للقاضي الذي حبسه، وإن شهدت أنه حبس بظلم نادى ثلاثًا في حضور خصمٍ إن كان له ثم أطلق بعد ثلاثٍ إن لم يحضر، وإن لم تقم بينة بأحد أمرين لزم بأن ينادي ثلاثًا على ما ذكرنا، فإن لم يظهر له خصم خلاه ولا يخليه حتى يحلفه أنه لا خصم له؛ لأن دعواه تخالف الظاهر هنا هذا بخلاف المسألة قبلها. وقال في "الحاوي": يعيده إلى حبسه ويكشف عن حاله حتى ييأس القاضي بعد الكشف من ظهور حق عليه، وطالبه بكفيل بنفسه ثم أطلقه.
فإن قيل: الكفالة بالنفس لا تصح إلا ممن يثبت عليه حق. قيل: الحبس من جملة الحقوق، فإن عدم كفيلًا استظهر في بقاء حبسه على طلب كفيلٍ ثم أطلقه عند إعوازه، بينهما، وإن أنكر قيل: أنت مدعي ابتداءً فحكم أو أقم البينة أنه كان محبوسًا بدينك وإلا حبسناه.
والحالة الرابعة: أن يقول: حبسني الخصم بما لا يستحق بإراقة خمرٍ وقتل خنزير، فإن كان الخصم مسلمًا يطلقه، وإن كان الخصم ذميًا، فإن كان القاضي شفعويًا لا يرى وجوب غرمه كان حكمه باطلًا، وصار القاضي الثاني هو الحاكم، فإن كان شفعويًا