أيضًا لا يرى وجوب الغرم حكم بإطلاقه، وإن كان حنيفًا حكم بمذهبه حكم يحبسه إن امتنع، وإن كان 87/ أ القاضي الأول حنفيًا يرى وجوب الغرم، فإن كان رأى القاضي مثل رأيه كان المحبوس على حبسه، وإن كان مخالفًا له لم ينتقض حكم الأول لنفوذه عن اجتهادٍ سائغ، وهل يجب إمضاؤه على الثاني؟ فيه قولان: أحدهما: يلزمه إمضاؤه؛ لأن اجتهاده انتقض بالاجتهاد.
والثاني: لا يلزمه إمضاؤه لبطلانه عنده، ويعيده إلى حبسه من غير أن يلزمه القضاء؛ لأنه لا يراه ولا يطلقه لأنه لا ينقض الحكم به وأقره فيه حتى يصطلحوا.
والحالة الخامسة: أن يقول: حبسني لخصم بحقٍ، فيسأل عن خصمه وعن الحق الذي حبس به، فإذا حضر وطالب فإن كان من حقوق الأبدان كالقصاص، فالحبس به غير مستحق؛ لأن تعجيل استيفائه منه ممكن وإن كان مالًا، فإن كان عينًا فإن استحقه بعقدٍ حكم فيه بما يوجب العقد من إقباض الثمن وتسليمه، وإن استحقه بغير عقدٍ كالمغضوب، فإن ثبت قبضها ببينةٍ حكم القاضي بتسليمها، وإن ثبت بإقراره رفع يده عنها، ولم يمنع المدعي منها ولم يحكم له بتسليمها لجواز أن تكون لغيره، وإن كان مالًا في الذمة أمره بقضائه إن كان مليًّا، وإن ادعى عسرة نظر في سبب الاستحقاق، فإن كان عن مقابلة مالٍ لم يقبل إلا بعد الكشف، وإن كان في غير مالٍ قبل قوله في العسرة مع يمينه، ووجب إطلاقه بها بعد النداء عليه، يقال: ألا إن فلان ابن فلان يُخلى، فإن كان له خصم آخر فليحضر، وهذا لجواز أن يكون له خصم آخر.
ولو أقام صاحب الدَّين البينة على أن للمحبوس مالًا، فإن لم يعين المال لم تسمع الشهادة للجهل بها، وإن عين المال بأن له هذه الدار، 87/ ب سُئل المحبوس، فإن اعترف بها حكم بقضاء الدين منها، ولو امتنع باعها عليه وقضى عنه دينه، وإن أنكرها فإن لم يقرّ بها لغيره لا يؤثر إنكاره وتباع عليه، وإن أقرّ بها لغيره فإن أحاله على إنسانٍ مجهول لا يعرفه بيعت عليه ولا يتوقف، وإن أحاله على معلوم وقال: هي لزيدٍ، سُئل زيد فإن أنكرها بيعت عليه ووكل القاضي عنه وكيلًا ببيعها، ولا يتولى القاضي مع إنكاره. وإن صدقه زيد قيل له: ألك بينة بأن الدار لك ملكًا، فإن أقامها حكم له بالدار؛ لأنه معه بإقرار المحبوس بينة ويدًا، فكان أولى من بينة المحبوس مع زوال يده بالإنكار، وإن لم يكن له بينة ففي الحكم بها لزيدٍ وجهان:
أحدهما: يحكم بها لزيدٍ؛ لأن المحبوس قد أبطل بينة فبطل شهادتها وصار مقرًا بها لزيدٍ فلزم إقراره.
والثاني: لا يحكم بها لزيد وتكون الدار ملك المحبوس؛ لأن البينة شهدت له بالملك، ولصاحب الدين بالقضاء، فإذا أكذبها ردت في حق نفسه ولم ترد في حق صاحب القرض، فإذا بيع المال عليه أو لم يبع ينادي عليه ويخلي.
وعلى ما ذكرنا لو قال: حبسني بحد الخمر، أو حد القذف لفلان، أو حد الزنا ينظر فيه ونحده إن لزمه الحد، ويخليه إلا إذا أمكن استيفاء الحد، فلا فائدة في