وأحكام الدين فيما يختص منها بالدنيا ندب إليه عقلًا، وما اختص منها بالدين ندب إليه شرعًا، ولو لم يشاور وحكم نفذ إذا لم يخالف نصًا، أو إجماعًا، أو قياسًا جليًا، وليس على أهل الشورى أن يعارضوه فيه، ولا يمنعوه منه إذا كان مسوغًا في الاجتهاد.
مسألة
قَالَ: "وَلَا يُشَاوِرُ إِذَا نَزَلَ بِهِ المَشْكِلُ إِلَّا أَمِينًا عَالِمًا بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالآثَارِ".
الفصل
اعتبر فيمن يشاور شروط المفتي وذكر سبع شرائط؛ الأمانة، والعلم بالكتاب، والعلم بالسنة، والعلم بالآثار -يعني أقاويل الصحابة- والعلم بأقاويل الناس -يعني العلماء بعدهم- فيما أجمعوا عليه وفيما اختلفوا فيه، والعلم بالقياس، والعلم بلسان العرب.
ومعنى قوله: عالمًا بالكتاب والسنة: أن يكون مع العلم بمعانيها مهديًا إلى ترتيب أحدهما على الثاني عند تقابل المختلفين، ولا يشاور العوام؛ لأن القصد من المشورة طلب الفائدة، ولا يكون ذلك إلا بالمشورة مع العلماء. واعلم أن المشكل وغير المشكل في ذلك سواء، وإن خص الشافعي -رضي الله عنه- فقال: "إذا نزل به المشكل".
فرع
يجوز أن يشاور الأعمى، والعبد، والمرأة؛ لأنه يعتبر فيمن يشاور شروط المفتي، ولا يعتبر في المفتي البصر والحرية والذكورة، وإنما يعتبر شرطان؛ العدالة المعتبرة في المخبر دون الشاهد؛ لأن الحرية شرط في الشاهد دون المفتي، 93/ أ والثاني أن يكون من أهل الاجتهاد، فإنه يحيط علمه بخمسة أصولٍ:
أحدهما: علمه بكتاب الله تعالى في معرفة ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومفسره ومجمله، وعمومه وخصوصه وإن لم يقم بتلاوته.
والثاني: علمه بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة أخبار التواتر والآحاد، وصحة الطرق والإسناد، وما تقدم منها وما تأخر، وما كان على سببٍ وغير سببٍ وإن لم يسمعها مسندة إذا عرفها من وجوه الصحة.
والثالث: علمه بالإجماع والاختلاف وأقاويل الناس، ليتبع الإجماع ويجتهد في المختلف فيه.
والرابع: علمه بالقياس الجلي والخفي، وقياس المعنى وقياس الشبه، وصحة العلل وفسادها.
والخامس: علمه بالعربية فيما تدعو إليه الحاجة من اللغة والإعراب؛ لأن لسان