الكتاب والسنة عربي، فيعرف لسان العرب وصيغة ألفاظهم، وموضوع خطابهم، ليفرق بين الفاعل والمفعول، وحكم الأوامر والنواهي في الندب والإرشاد، والعموم والخصوص. فإن قيل: هذه الشرائط لا تجتمع في أحدٍ فيكون سد باب الاجتهاد والفتوى. قيل: لم يرد الشافعي -رضي الله عنه- أن يكون محيطًا بكلها، بل إذا علم الأصول الخمسة وأشرف عليها حتى ينتبه بما علم على ما لا يعلم، وإن لم يصر أعلى الناس بها جاز أن يفتي، وجاز أن يُستفتى، وجاز أن يشاوره القاضي في الأحكام النازلة.
فرع
لا فرق بين المفتي الذي يوافق القاضي في مذهبه وبين المفتي الذي يخالفه؛ لأنه لا يمتنع عنه الجواب بل يسأله عن الدليل وعن التعليل، وقد قال الشافعي رضي الله عنه: "ويجمع الموافقين والمخالفين 93/ ب ليذكر كل واحد دليله ويتناظروا فيه فيظهر الحق وتنفتح له طرق الاجتهاد". وقال أيضًا: "ويجمع المختلفين لا يتأسد لتقصيه العلم" أي لاستقصائه ولكشف بعضهم عن بعضٍ. وقيل: التقصي الكشف بالسؤال والمناظرة في طلب الصواب.
فرع آخر
لو كان فاسقًا لم يحمل على قوله فيما تعلق بالرواية والفتيا. واختلفوا في جواز مباحثته فيما يتعلق بالمعاني والاستنباط، فقال ابن أبي هريرة لا يجوز؛ لأنه لا يوثق به حذرًا مما يستحدثه من شبهةٍ فاسدةٍ. وقال آخرون: يجوز، لأنه ربما ينكشف بمناظرته وجه الصواب؛ لأنه لا يؤخذ بقوله بل يُحمل على ما تنتهي إليه المناظرة من وضوح الصحة والفساد.
فرع آخر
لا يعول على مشاورة واحدٍ، بل يجمع عددًا ينكشف بمناظرتهم ما غمض، ولا يقلدهم وإن كان عددًا.
مسألة
قَالَ: "وَلَا يَقْبَلُ وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ حَتَّى يَعْلَمَ كَعِلْمِهِ أَنَّ هَذَا لَازِمٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَخْتَلِفِ الِّروَايَةُ فِيهِ، أو بِدَلَالَةٍ عَلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ وَجْهًا أَظْهَرَ مِنْهُ" فأما أن يقلده فلم يجعل الله ذلك لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
معنى هذا الفصل ما شرحه في الأم فقال: "ولا يقبل من المشير الإشارة حتى يخبره أنه أشار به من حيث يلزم، وذلك كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس على هذا، ولا يقبل لذا قال هذا له حتى يقفه عليه ويعقل منه ما عقل، وحتى يسأل هل له وجهٍ يحتمل غير