أي الشرك. وقيل: اللبس. وقيل: إفساد ذات البين. {وَابْتِغَاءَ تَاوِيلِهِ} أي التفسير، وقيل: إنه العاقبة المنتظرة. {وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} قيل: تأويل جميع المتشابه؛ لأن فيه ما يعلمه الناس وفيه ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. وقيل: تأويله القيامة لما فيه من الوعد والوعيد 103/ب كما قال تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَاوِيلَهُ يَوْمَ يَاتِي تَاوِيلُهُ} الأعراف: 53، ويعني يوم القيامة، وقيل: إن تأويله وقت حلوله. قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} يعني الثابتين فيه والعاملين به. وقيل: يعني المستنبطين له والعالمين به، وفيهم وجهان:
أحدهما: أنهم داخلون في الاستثناء، وتقديره أن الذي يعلم تأويله هو الله تعالى والراسخون في العلم أيضًا يعلمونه. وقال مجاهد: قال ابن عباس - رضي الله عنهما: أنا ممن يعلم تأويله.
والثاني: أنهم خارجون من الاستثناء، ويكون معنى الكلام: وما يعلم تأويله إلا الله وحده، ثم استأنف فقال: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} وهذا يحتمل وجهين، أحدهما: أن علم ذلك عند ربنا.
والثاني: ما فصله الله تعالى من المحكم والمتشابه منزل من عند ربنا، وإنما جعل الله تعالى كتابه محكمًا ومتشابهًا استدعاءً للنظر من غير اتكال على الخبر ليتبين التفاضل ويستجزل الثواب.
وروى معاذ - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القرآن على ثلاثة أجزاء؛ حلال فاتبعه، وحرام فاجتنبه، ومتشابه يشكل عليك فكله إلى عالمه".
فإذا وضح ذلك فما تضمنه كتاب الله تعالى من الأحكام والأعلام ينقسم أربعة أقسام؛ أحدها: محكم في جميع أحواله، ومتشابه في أحواله، ومتشابه في حالٍ ومحكم في حالٍ، ومحكم من وجه ومتشابه من وجه. فأما الأول فضربان: مفهوم ومعقول، والفرق بينهما أن المفهوم 104/ أ ما لم يحتج إلى فكر، والمعقول ما احتاج إلى فكر.
والمفهوم ضربان: أحدهما: ما فهم بصريح لفظه كقوله تعالى في تحريم المناكح: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} النساء: 23.
والثاني: ما فهم بمخرج خطابه مثل قوله تعالى في تحريم الخمر والقمار: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} المائدة: 90، فدل وضع الخطاب على تحريمه.
وأما المعقول فضربان: أحدهما: ما علم بالتنبيه، كقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} النساء: 11، فنبه بثلث الأم أن الباقي للأب.