والثاني: ما نسخ إلى ما هو أغلظ منه كنسخ صيام أيام البيض بصيام شهر رمضان، والحبس في الزنا بالرجم.
والثالث: النسخ إلى ما هو أخف منه، كنسخ العدة حولاً بأربعة أشهر وعشر، ونسخ مصابرة الواحد بعشرة في الجهاد بمصابرته لاثنين.
والرابع: ما نسخ إلى غير بدل كنسخ قيام الليل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} {قُمْ اللَّيْلَ} المزمل: 1، 2، بقوله تعالى: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} الإسراء: 79 الآية، فنسخ فرضه بغير بدل.
والخامس: ما نسخ فيه للتخيير بين شيئين بإسقاط أحدهما وانحتام الآخر، كقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} البقرة: 184 الآية، بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} البقرة: 185 الآية.
وأما القسم الخامس في زمان النسخ فهو على ثلاثة أضرب؛ أحدها: يجوز فيه النسخ.
والثاني: لا يجوز فيه النسخ.
والثالث: فيه خلاف.
فأما الذي يجوز فيه النسخ فهو بعد اعتقاد المنسوخ والعمل به، فيجوز سواء عمل به كل الناس كاستقبال بيت المقدس، أو عمل به بعضهم كفرض الصدقة في مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم نسخت بعد أن عمل بها علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وحده. وأما الذي لا يجوز النسخ فيه فهو قبل اعتقاد المنسوخ والعمل به، فلا يجوز أن يرد النسخ لأن من شرط النسخ أن يكون بعد استقرار الفرض ليخرج عن البداء إلى الإعلام بالمدة.
فإن قيل: فقد روي في ليلة المعراج، أن الله تعالى فرض على أمته خمسين صلاة، فلم يزل صلى الله عليه وسلم يراجع ربه فيها ويستغفر له حتى استقر الفرض على خمسٍ. قلنا: كان هذا على وجه التقرير دون النسخ؛ لأن الفرض يستقر بنفوذ الأمر، ولم يكن من الله تعالى فيه أمر إلا عند استقرار الخمس.
وأما المختلف فيه 107/ب فورود النسخ بعد اعتقاد المنسوخ وقبل العمل به، وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يجوز كما لا يجوز قبل الاعتقاد لما ذكرنا من العلة، ليخرج من البداء إلى النسخ.
والثاني: يجوز كما يجوز بعد العمل؛ لأن الاعتقاد من أعمال القلب دون العمل اختيارًا لطاعتهم، كما أمر الله تعالى إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - بذبح ابنه ثم نهاه قبل ذبحه فقال: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} الصافات: 102 الآية، فاختبر بذلك طاعته ونهاه بعد الاعتقاد وقبل الفعل.