البقرة: 234 ناسخ (لقوله) تعالى: {والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ ويَذَرُونَ أَزْوَاجًا وصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إلَى الحَوْلِ غَيْرَ إخْرَاجٍ} البقرة: 240، وهو متقدم عليه. قيل: هو متقدم عليه في التلاوة، ومتأخر عنه في التنزيل، وقد عدل بترتيب التلاوة عن ترتيب التنزيل بحسب ما أمر الله تعالى بت للمصلحة التي استأثر بعلمها، فقد قيل: إن آخر آيةٍ نزلت قوله تعالى: {واتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلَى اللَّهِ} البقرة: 281، وهى متقدمة في سورة البقرة، وأول ما نزل من القرآن سورة اقرأ، وهى متأخرة في المفصل والنسخ، إنما تختص بالمتأخر في التنزيل دون التلاوة.
فإن أشكل المتقدم والمتأخر، وجاز أن يكون كل واحدٍ منهما متقدماً أو متأخراً عدل إلى الدليل، وهو بيان الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن ثبت عنه بيان الناسخ من المنسوخ عمل عليه، وكانت السنة مبينة ولم تكن ناسخةً. وإن عدم بيان الرسول صلى الله عليه وسلم عدل إلى الدليل أثالث وهو الإجماع، فإن انعقد الإجماع على تعيين الناسخ والمنسوخ عمل عليه، وكان الإجماع مبيناً ولم يكن ناسخاً. وإن عدم الإجماع عدل إلى الدليل الرابع وهو الاستعمال، فإذا كان أحدهما مستعملا والآخر متروكاً كان المستعمل ناسخاً والمتروك منسوخاً. فإن لم يوجد في الاستعمال بيان إما لاشتباهه أو لاشتراكه عدل إلى الدليل.
الخامس: وهو الترجيح بشواهد الأصول والأدلة وكانت غاية العمل بت. وقال بعض أهل العلم: كل آية منسوخةٍ ففي ضمن تلاوتها ما يدل على أن حكمها غير ثابت على الإطلاق، كقوله تعالى في سورة النساء في حد الزنا: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ المَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} النساء: 15، أن حكمها لا يدوم، فنسختها آية النور في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ والزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِّنْهُمَا} النور: 2 الآية، 109/ أ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خذوا عنى، خذوا عنى، قد جعل الله لهن سبيلا" الخبر. وهذا الذي ادّعاه هذا القائل يبعد أن يوجد في كل آيةٍ منسوخة، لكنه معتقد لمذهب أبى حنيفة في أن الزيادة على النص تكون نسخاً، فيجعل ذلك من شواهد المنسوخ، وليست الزيادة على النص عندنا نسخاً.
وأما القسم السابع في الفرق بين التخصيص والنسخ: والفرق بينهما من خمسة أوجه: أحدها: أن تخصيص العموم يجوز أن يكون مقترنا بت ومتقدما عليه ومتأخرا عنه، ولا يجوز أن يكون الناسخ متقدماً على المنسوخ ولا مقرتنا بت، بل يجب أن يتأخر عنه.
والثاني: التخصيص بيان ما أريد بالعموم، والنسخ بيان ما لم يرد بالمنسوخ.
والثالث: تخصيص العموم يجوز أن يكون بغير جنسه بخلاف النسخ.
والرابع: يجوز التخصيص في الأحكام والأخبار، والنسخ يختص بالأحكام.
والخامس: التخصيص على الفور، والنسخ على التراخي. فهذا كله بيان الأقسام السبعة من أحكام الأصل وهو الكتاب.
وأما الأصل الثاني وهو أصل الشرعة؛ السنة: وهذا لأن الله تعالى ختم برسوله صلى الله عليه وسلم