ثم اعلم أنه يجب العمل بما تضمنها ما لم يمنع منه العقل. وقال أبو حنيفة: لا يعمل بتا إذا خالفت الأصول ولهذا رد المصرات وخبر
... وقال مالك: لا يعمل بتا إذا خالفت عمل أهل المدينة، ولذلك لم يعمل على خبر خيار المجلس وهو الراوي له، وهذا غلط؛ لأن الخبر أًل فلم يجز أن يدفع بأصلٍ وهو حجة على أهل المدينة فلم يدفع بعلمهم.
وإذا وجب العمل فهو غير موجب للعلم الباطن بخلاف المستفيض والمتواتر، وهل يوجب العلم الظاهر؟ فيه وجهان: أحدهما: ليوجب؛ لأن ظاهر العلم من نتائج باطنه فلم يفترقا. والثاني: يوجب؛ لأن سكون النفس إليه موجب له ولولاه لكان ظناً ثم الكلام في السنن يشتمل على فصلين؛ أحدهما: في أحوال الرواة الناقلين لها.
والثاني: في أحكام المتون المعوّل عليها.
فأما الأول ففيه خمسة فصول؛ أحدها: في صفات الراوي.
والثاني: في شروط التحمل. والثالث: في صيغة الأداء.
والرابع: في أحوال الإسناد.
والخامس: في نقل السماع.
فأما الأول: فيعتبر فيه أربعة شروطٍ: أحدها: البلوغ، فإنه لا حكم لقول الصغير في حق نفسه فكيف في حق غيره.
والثاني: العقل، ولا يقتصر على الذي يتعلق بت التكليف حتى ينضم إليه التيقظ والتحفظ، فيفرق بين الصحيح والباطل ليصح تمييزه.
والثالث: 111/ ب العدالة في الدين؛ لأن الفاسق مردود القول فيه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الحجرات: 6.
ولا يرد خبر أهل الأهواء والبدع ما لم يكفروا غيرهم، ويظهروا عنادهم، وقد اتهم بذلك كثير من التابعين فما ردت بت أخبارهم، وشدد بعض أصحاب الحديث فقأ: لا يقبل خبرهم، وقد ذكرنا ذلك من قبل.
والرابع: أن يكون مأمون الزلل، شديد اليقظة، بعيدا من السهو والغفلة حتى لا يشتبه عليه الكذب بالصدق، ويكون على ثقة من نفسه ويكون الناس على ثقةٍ به.
وحكي عن مالك- رحمة الله- أنه قال: لقد سمعت من سبعين شيخاً أتقرب إلى الله تعالى بأدعيتهم لا أروى عن أحدهم. وإنما قال هذا لأنهم كانوا أهل سلامةٍ لا تؤمن غفلتهم وإن قويت ديانتهم.
ولأفرق بين الجاهل والعالم إذا كان ضابطا؛ لأن الصدر الأول قبلوا روايات الأعراب وأهل البوادي، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رب حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه".