ينطلق الضرب على التأفيف، فصار تحريم الضرب مأخوذاً من معنى التأفيف لا من اسمه، فإن امتنعوا أن يسموه قياساً فقد سلموا معناه وخالفوا في اسمه، والمخالفة في الاسم ساقطة مع تسليم المعنى. وأيضاً فالمعاني تتنوع إلى جلي تسبق بديهته إلى الفهم من غير استدلال، وإلى خفي لا يفهم إلا بالفكر والاستدلال، كالأسماء تتنوع إلى واضح تعرفه الخاصة والعامة، وإلى غامض تعرفه الخاصة دون العامة، كنهية صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل وهو زناء، وقوله صلى الله عليه وسلم "لا جلب، ولا جنب، ولا خلاط، ولا وراط". ونهى صلى الله عليه وسلم عن الملاقيح والمضامين. ثم اختلاف الأسماء وفي الوضوح والغموض لا يمنع أن تكون كلها نصوصاً، وكذلك اختلاف المعاني في الجلاء والخفاء لا يمنع أن تكون كلها قياساً.
واعلم أن هذا الوجه من القياس أقرب وجوه القياس إلى النصوص لدخول فرعها في النصوص، ولا خلاف بين أصحابنا في جواز تخصيص العموم به، وهل يجوز به النسخ أم لا؟ فيه وجهان:
أحدهما: وهو قول الأكثرين: لا يجوز؛ لأن القياس فرع للنص الذي هو أقوى، فلا يجوز أن يكون ناسخاً له.
والثاني: وهو اختيار ابن أبي هريرة وجماعة يجوز؛ لأنه لما جاز 141/أ أن يرد التعبد في فرعه بخلاف أصله، صار الفرع كالنص فجاز به النسخ.
فإن كان أصله نصاً في القرآن جاز أن ينسخ به القرآن دون السنة، وإن كان أصله نصاً في السنة جاز أن ينسخ به السنة دون القرآن.
ومن هذا اختلف أصحابنا في قوله تعالى: {إن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} الأنفال: 65 الآية، مع قوله: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} الأنفال: 66 الآية، أن نسخ مصابرة عشرين مائتين بمصابرة عشرين أربعين، علم بالقياس بظاهر الكلمة، فمنهم من قال: علم بالقياس؛ لأن الله تعالى لم ينص على حكم العشرين، وإنما قسناه على نسخ ظاهر الكلمة، ومنهم من قال: علم بظاهر الكلمة.
والضرب الثاني: ما عرف معناه من ظاهر النص بغير استدلال بالإجماع، ولكن يجوز أن يرد التعبد فيه بخلاف أصله، مثل نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأضحية بالعوراء، والعرجاء، فكانت العمياء قياساً على العوراء والقطعاء قياساً على العرجاء، لأن نقصها أكثر والنص للنقص وإن جاز أن يرد التعبد بإباحة العمياء والقطعاء مع تحريم النص وأباح ما عداه، فحرم التضحية بالعوراء والعرجاء وأباح التضحية بالعمياء والقطعاء، وأثبت بعضهم تحريم جميعه بالتنبيه دون النص، فهذا الضرب من القياس يجوز تخصيص العموم بمثله، ولا يجوز به النسخ بالاتفاق لجواز ورود التعبد في الفرع بخلاف أصله.
ومن هذا الجنس قوله صلى الله عليه وسلم 141/ب " لا يقضي القاضي وهو غضبان" وقد أجمعوا