على أن منعه لأنه يزعجه ويغير طبعه، فكان النعاس الغالب، والجوع الشديد والشبع المثقل، والحزن المفرط قياساً عليه لوجود معناه فيه.
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم في الفأرة إذا ماتت في السمن: "إن كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فأريقوه". وأجمعوا على أنه لنجاسة الفأرة.
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه" فكان التغويط مثله. وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله سبع مرات" فكان إذا بال الكلب فيه مثله.
فإن قيل: لا نعلم كل هذا قياساً، وإنما علمناه إجماعاً. قلنا: المجمعون إنما قالوا ذلك من طريق القياس دون غيره، ولو كان هناك سبب جمعهم عليه لعرفناه ولنقل إلينا كما نقل إجماعهم.
والضرب الثالث: ما عرف معناه من ظاهر النص باستدلال ظاهر يعرف بمبادئ النظر، وذلك مثل قوله وتعالى: {فَإذَا أُحْصِنَّ فَإنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَاتِ مِنَ العَذَابِ} النساء: 25، ولم يكن المعنى إلا نقص الرق بالعبد قياس عليه بهذا المعنى، كقوله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شركاً له في عبد قوم عليه الباقي" فكانت الأمة قياساً.
وكقوله تعالى في يوم الجمعة: "وذروا البيع" الجمعة: 9، فعقد النكاح قياس على البيع، فهذا الضرب لا يجوز النسخ به ويجوز تخصيص العموم به عند أكثر أصحابنا.
وقال بعضهم: لا يجوز تخصيص العموم به لخروجه عن الجلاء بالاستدلال، وهكذا غلط، لأنه قد صار بجلاء الاستدلال كالجلي بغير استدلال.
وهذه الضروب الثلاثة 142/ أ من القياس يجوز أن ينعقد بها الإجماع وينقض بها حكم من خالفها من الحكام.
وأما القياس الخفي: فهو ما خفي معناه فلم يعرف إلا بالاستدلال، ويكو معناه في الفرع مساوياً لمعنى الأصل، وهو على ثلاثة أضرب: أحدهما: ما كان معناه لائحاً. والثاني: ما كان غامضاً. والثالث: ما كان مشتبهاً.
فأما الأول: فيعرف باستدلال متفق عليه مثل قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} النساء:23 الآية، فكان عمات الآباء والأمهات في التحريم قياساً على الخالات لاشتراكهن في الرحم. وكقوله تعالى في نفقة الولد في صغره: {فَإنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} الطلاق: 6، فكانت نفقة الوالد عند عجزه في كبره قياساً على نفقة الولد لعجزة في صغره، والمعنى في هذا الضرب لائح لتردده بين الجلي والخفي، وهو من ضروب الخفي بمنزلة الأول من ضروب الجلي، ويجوز أن ينعقد الإجماع بمثله وينقض به حكم الحاكم إذا خالفه، وهل يجوز تخصيص العموم به؟ فيه وجهان.
وأما الثاني: فهو ما كان معناه غامضاً للاستدلال المختلف فيه فتقابلت معانيه حتى غمضت، مثاله: تعليل الربا في البر المنصوص عليه، فيقابل فيه التعليل بالأكل ليقاس