عليه كل مأكول، والتعليل بالقوت ليقاس عليه كل مقتات، والتعليل بالكيل ليقاس عليه كل مكيل. ومثل هذا الضرب لا ينقض به حكم الحاكم ولا يخص به العموم.
وأما الثالث: وهو ما كان مستبهماً احتاج نصه ومعناه إلى استدلال كالذي قضي به الرسول صلى الله عليه وسلم أن الخراج بالضمان يعرف بالاستدلال، أن الخراج هو المنفعة والضمان هو ضمان البيع، ثم عرف معنى المنفعة بالاستدلال، فتقابلت المعاني بالاختلاف فيها، فمن علل 142/ ب لها بأنها آثار فلم يجعل المشتري إذا رد بالعيب مالكاً للأعيان من الثمار والنتاج، ومن علل لها بأنها ما خالفت أجناس أصولها، فجعله مالكاً للثمار دون النتاج، وعللها الشافعي بأنها إنما يجعله مالكاً لكل نماء من ثمار ونتاج، فمثل هذا الضرب ينعقد الإجماع في حكم أصله، ولا يتعقد في معناه ولا ينقض بقياسه حكم، ولا يخص به عموم وهو مما تقدمه وإن قاربه في حكمه.
وأما قياس الشبه: فهو ما تجاذبته الأصول، فأخذ من كل أصل شبهاً، وأخذ كل أصل منه شبهاً، وهو نوعان: قياس تحقيق يكون الشبه في أحكامه. وقياس تقريب يكون الشبه في أوصافه، وقياس التحقيق مقابل لقياس المعنى الجلي وإن ضعف عنه. وقياس التقريب مقابل لقياس المعنى الخفي وإن ضعف عنه.
وأما قياس التحقيق فثلاثة أضرب:
أحدهما: أن يتردد حكم الفرع بين أصلين ينتقص برده إلى أحدهما ولا ينتقص برده إلى الآخر قرده إلى الأصل الذي لا ينتقص برده إليه وإن كان أقبل شبهاً دون الآخر. وإن كان أكثر شبهاً كالعبد هل يتردد بين الحر والبهيمة، فلما انتقص برده إلى الميراث حين لم يملك به وجب رده إلى البهيمة لسلامته من النقص، وإن كان شبهه بالأحرار أكثر.
والثاني: أن يتردد الفرع بين أصلين يسلم من النقص في رده إلى كل واحد منها وهو بأحد الأصلين أكثر شبهاً مثل أن يشبه أحدهما من وجه والآخر من وجهين أو أحدهما في وجهين والآخر من ثلاثة أوجه يرد إلى الأكثر مثاله: في الجناية على طرف العبد يتردد بتردده إلى الحر في تقدير الجناية على أطرافه وبتردده على البهيمة في وجوب ما نقص من قيمته وهو يشبه البهيمة في أنه مملوك وموروث ويشبه الحر في أنه آدمي مخاطب مكلف يجب في قتله القود والكفارة فوجب رده إلى الحر 143/ أ في تقدير أرش طرفة دون البهيمة لكثرة شبه بالحر.
والثالث: أن يتردد الفرع بين أصلين مختلفي الصفتين، ويوجد في الفرع بعض كل واحد من الصفتين ولا يكمل فيه إحدى الصفتين، لكن يوجد فيه الأكثر من إحدى الصفتين والأقل من الأخرى، فيجب رده إلى الأصل الذي فيه أكثر صفاته. مثاله: ثبوت الربا في السقمونيا لما تردد بين الخشب في الإباحة، لأنه ليس بغذاء وبين الطعام في التحريم، لأنه مأكول فكان رده إلى الغذاء في التحريم وإن لم يكن غذاء، وفي رده إلى الخشب في الإباحة وإن لم يكن غذاء، لأن الأكل أغلب بصفاته.