أيام الحج, ثم روي عن النبي- صل الله عليه وسلم- أنه نهى عن صيامها, فعدل بها عما عمل به من ظاهر الكتاب, وأوجب صيامها بعد إحرامه وقبل عرفة إتباعًا للسنة, ولا إنكار عليه في العدول بدليلٍ.
والسادس: ما اختلف قوليه فيه؛ لأنه أدى اجتهاده إلى أحدهما في حالٍ, ثم أدى اجتهاده إلى القول الآخر في حالٍ أخرى, ومثل هذا لا ينكر وقد فعله الصدر الأول, فإن عمر- رضي الله عنه- شرك في المسألة المشتركة بين الأخ من الأب والأم وبين الأخ من الأم في الثلث وأسقط الأخ من الأب والأم في حالٍ أخرى, وقال: هذه على ما قضينا, وهذه على ما قضينا, وحرَّم عليُّ- رضي الله عنه- بيع أم الولد ثم رجع إلى جوازه.
وقد اختلفت روايات أبي حنفيّة ويسميها أصحابه روايات, وسمى أصحاب الشافعي أقاويل, وهي طريقة لم يبتدعها الشافعي, وهي أدل على الورع, وأبعثُ على الاجتهاد.
والسابع: أن تبلغه سنة لم تثبت عنده وقد عمل بالقياس, فيجعل قوله من بعد موقوفًا على ثبوت السنة كما في الصيام عن الميت, والغسل عن غسل الميت, وقال: إن صح الحديث قلت به, وقال: كل قول قلته فثبت عن النبي- صل الله عليه وسلم- خلافه فانا أول راجع عنه, وهذا مما يجب أن يظهره, وأن يقف الحكم على السنة إن يثبت وعلى القياس إن لم يثبت.
والثامن: أن يقصد بذكر القولين إبطال ما توسطهما, فيكون مذهبه منهما ما فرَّغ عليه وحكم به, مثل قوله في وضع الجوائح وقد قدرها مالك بوضع الثلث: ليس إلا واحد من قولين, إما أن يوضع كلها أو لا يوضع شيء, وهذا تحقيق يبطل ما خالف القولين.
والتاسع: أن يذكر القولين إبطالًا لما عداهما, ويكون مذهبه موقوفًا 154/ أ على ما يؤدي اجتهاده إليه من صحة أحدهما, وإن لم يكن فهمًا, ومثل هذا جاء به الشرع والعقل.
أما الشرع: قال رسول الله- صل الله عليه وسلم- في ليلة القدر: "التمسوها في العشر الأواخر" فنفي أن تكون في غير شهر رمضان, وفي غير العشر الأواخر منه, وجعلها موقوفةً على الاجتهاد في العشر الأواخر.
وأما العقل: فما فعله عمر -رضي الله عنه- في أهل الشورى جعلها في ستة نفرٍ, فنفي بهم طلب الإمامة في غيرهم, ووقف الإمامة فيهم على من يؤدي اجتهادهم إليه منهم, وهذا عمل انعقد به إجماعهم.
والعاشر: أن يذكر القولين ليدل على أن لكل واحدٍ منهما في الاجتهاد وجهًا, ولا يقطع بأحدهما لاحتمال الأدلة, ولا يعمل بهما لاختلاف الحكم, ويفرع كل واحدٍ منهما إن صح, وليس ينكر من العلماء التوقف عند الاشتباه, ولهذا توقف رسول الله- صل الله عليه وسلم-