في أشياء حتى ينزل الوحي عليه. وقال- صل الله عليه وسلم-: "المؤمن وقاف والمنافق وثاب", ويكون مقصود الشافعي بذكر القولين أمرين: أحدهما: إبطال ما عداهما أن يكون له الاجتهاد وجه.
والثاني: إثبات أن لكل واحٍد منهما في الاجتهاد وجهًا, وليس يجيب بهما إذا استفتى فيخير السائل بينهما, بل يجتهد رأيه في الجواب بأحدهما, ولا يعتقد صحتهما لجواز أن يكون كل واحدٍ منهما هو الأصح وإن لم يقطع في الحال بالأصح, وهذا إنما قاله في عدد من المسائل, قيل: إنها سبعة عشر مسألة, وفي هذا كله انفصال عن اعتراضهم.
ثم ذكر الشافعي- رضي الله عنه- خبرًا وهو قوله- صل الله عليه وسلم-: "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجرٌ
... " الخبر بتمامه.
وقد روى أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى- عن فرج بن فضالة, عن محمد بن عبد الأعلى, عن أبيه, 154/ ب عن عبد الله بن عمرو بن العاص, عن أبيه- رضي الله عنه- قال: أختصم إلى النبي -صل الله عليه وسلم- رجلان وأنا جالسٌ, فقال: "يا عمرو أقض بينهما" قلت: يا رسول الله, وأنت شاهد, قال: "نعم" قلت: على ماذا؟ قال: "على أنك إن أصبت أجر فلك حسناتٍ, وإن اجتهدت فأخطأت فلك حسنة واحدة", فاختلف أجر المصيب في الخبرين, فجعل للمصيب في الأول أجرين, وجعل له في الثاني عشرة, وفي هذا الاختلاف تأويلان:
أحدهما: أنه جعل له أجرين إذا وصل إلى الصواب بأول اجتهاده, وجعل له عشرًا إذا وصل بتكرار الاجتهاد, وليكن أجره بحسب قلة اجتهاده وكثرته.
والتأويل الثاني: أخبر بالعشرة لمضاعفة الحسنة بعشر أمثالها, وأخبر في الخبر الآخر باجرين من غير مضاعفةٍ؛ لأن في الأصل أجر وفي المضاعفة عشر.
مسألة: قَالَ: "مَنْ اجْتَهَدَ مِنَ الحُكَّامِ فَقَضَى بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ رَأَى أَنْ اجْتهَادِهِ خَطَأٌ".
الفصل
جملة هذا أن الحاكم إذا حكم في شيء باجتهاده ينظر, فإن كان ما لا يسوغ فيه الاجتهاد, بأن حكم بشيء يخالف نص الكتاب أو نص السنة أو الإجماع, أو القياس الذي لا يحتمل إلا معنى ينقض الحكم على نفسه سواء ترافع إليه الخصمان أو لم يترافعا, ولا ينقص عليه إلا بعد الترافع إليه, وهذا لقوله -صل الله عليه وسلم-:"ردوا الجهالات إلى السنن".
وروى أن عمر- رضي الله عنه- كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: لا