فاعترف فقتلهم جميعًا. وروي أن أول من فرق الشهود دانيال النبي عليه السلام, شهد عنده شهود على امرأةٍ بالزنا ففرقهم, فقال واحدٌ: زنت برجل شابٍ تحت شجرة كمثرى. وقال الآخر: تحت شجرة تفاح, فعلم أنهم كذبوا, 160/ ب فدعا الله تعالى عليهم, فنزلت نار من السماء فأحرقتهم.
والدليل على الوعظ ما روي أن رجلين شهدا عند علي- رضي الله عنه- فوعظهما على- رضي الله عنه- واجتمع الناس فذهبا في الزحام, فقال علي رضي الله عنه: لو صدقا لثبتا, ولم يقطع يد الرجل.
وروي عن أبي حنيفة أنه قال: كنت عند محارب بن دثار وهو قاضي الكوفة, فجاءه رجل ادعى على رجلٍ حقًا فأنكر, فأحضر المدعي شاهدين فشهدا له بما ادعاه, فقال المشهود عليه: والذي تقوم به السماء والأرض ما كذبن في الإنكار, ولقد كذبا عليَّ في الشهادة, ولو سألت عنهما لم يختلف فيهما اثنان, وكان محارب بن دثار متكئًا فاستوى جالسًا, وقال: قال رسول الله- صل الله عليه وسلم-: "إن الطير لتخفق بأجنحتهما وترمي بما في حواصلها من هول ذلك اليوم, وإن شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يتبوّأ مقعده من النار" فإن صدقتما فاثبتا, وإن كذبتما فغطيا رؤوسكما وانصرفا, فغطيا رؤوسهما وانصرفا.
وروي عن محمد بن الفرات أنه قال: شهدت محارب بن دثارٍ وأتاه رجلان يختصمان, فجاء أحدهما بشيخ مخضوب له ضفيرتان, بين عينيه أثر السجود, فشهد له, فقال المشهود عليه: والله لقد شهد عليَّ بالباطل ولئن سألت عنه لرجع, فقال محارب للشيخ: قد سمعت, فإن كنت شهدت بباطلٍ فارجع, فإن رسول الله -صل الله عليه وسلم- قال: "إن شاهد الزور لا تزول قدماه حتى توجب له النار, وأن الطير تجيء يوم القيامة رافعة مناقيرها تحت العرش تضرب بأجنحتها 161/ أ تضع ما في بطونها من هول ذلك اليوم" فاتق الله, فإن كنت شهدت بباطلٍ فارجع, فقال الشيخ: لقد رجعت, ومضى. والدليل على أنه لا يفعل ذلك عند الضبط والمعرفة ما حكي أن رجلًا شهد عند أبي عمرو القاضي في بيع بستان, فقال أبو عمرو: كم في ذلك البستان, فقال: هو كما قلت, فقال: كم في دارك من جذع؟ قال: فأمسك عنه وعلم أنه ضابط. وحكي أن رجلًا شهد عند علي بن عيسى بشهادةٍ, فقال علي بن عيسى: في أي موضع شهدت عليه بذلك؟ فقال له: في فضاء وسعني ووسع الشهود والمشهود عليه. وحكي أن أم أبي عمرو بن العلاء شهدت عند سوار بن عبد الله مع امرأة أخرى, فجعلت أم أبي عمرو تلقنها وتذكرها, فزجرها سوار, فقالت: ألم تسمع قول الله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى {البقرة: 282 , فخجل سوار.
والمغربي وطائفة من أهل الظاهر قالوا: يجب على المشهود له إقامة البينة بعدالة الشهود, ولا يلزم الحاكم ذلك إلا أن يتطوع, وهذا فاسد؛ لأن التعديل والجرح