فرع آخر
إذا قال المزكي لا أعلم إلا خيراً لا يكفي، وقال الطحاوي: عن علي بن معبد، عن أبي يوسف أنه قال: تقبل شهادته، ولم يذكر خلافاً، وهذا لا يصح، لأنه لم يصرح بالعدالة فلا يكون تعديلاً كما لو قال: أعلم فيه خيراً.
فإن قيل: إذا كان من أهل الخبرة ولم يعلم إلا خيراً فهو عدل. قلنا: يجوز أن لا يعلم عدالته ولا فسقه لاشتباه حاله عليه فلا يدل على حقيقة العدالة.
مسألة: قال: "ثم لا يقبله حتى يسأله عن معرفته به، فإن كانت باطنة متقادمة وإلا لم يقبل ذلك منه".
وجملة هذا أنه لا يقبل التعديل إلا ممن له خبرة باطنة ومعرفة متقادمة بالشاهد، وهذا لأن الرجل لا يكاد يعرف الرجل إلا بمعاشرة متقادمة ومصاحبة، ولا يداوم الإنسان الفسق بل يفعله في بعض الأوقات دون بعض، فإذا لم يتقادم عهده ومعرفته به لم يقف عليه.
وقد روي حرشة بن الحر أن رجلاً شهد عند عمر - رضي الله عنه- بشهادة، فقال له: أعرفك ولا يضرك أن لا أعرفك ائتني بمن يعرفك، فقال رجل من القوم: أنا أعرفه، قال: بأي شئ تعرفه؟ قال: بالعدالة والفضل، فقال: هو جارك الأدنى الذي تعرفه ليله ونهاره، ومدخله ومخرجه؟ 168/ أ قال: لا. قال: فعاملك بالدينار والدرهم اللذين يهما يستدل على الورع؟ قال: لا. قال: فرفيقك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا. قال: لست تعرفه، ثم قال للرجل: ائت بمن يعرفك.
وقال مجاهد: دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فقال: "من يعرف هذا؟ " فقال رجل: أنا أعرف وجهه ولا أدري ما اسمه، فقال: "ليست تلك بمعرفة".
وقيل: الشهادة بالتعديل تخالف الشهادة بالجرح من وجهين، ووجه ثالث مختلف فيه: أحدهما: أن الشهادة بالتعديل لا تقبل إلا ممن كان قديم المعرفة بخلاف الجرح. والثاني: لا تقبل إلا من أهل المعرفة الباطنة والجرح يقبل من أهل المعرفة الظاهرة والباطنة. والثالث: هل يشترط ذكر سبب التعديل فيه وجهان، ولا يحكم بالجرح إلا بعد سببه.
مسألة: قال: "ويسأل عمن جهل عدالته سراً، فإذا عدل سأل عن تعديله علانية ليعلم أن المعدل سراً هو هذا مخافة أن لا يوافق اسم أو نسب نسباً".