يقول: "كفل الشيطان"، يعني: مقعد الشيطان، يعني معرز ضفره ويريد بالضفر المضفور من شعره، وأصل الضفر: الفتل، واصل الكفل: أن يجمع الكساء على سنام البعير، ثم يركب وإنما أمره بإرسال الشعر ليسقط على الموضع الذي يصلي فيه صاحبه من الأرض فيسجد معه.
وقد روي في السجود: "أمرت أن لا أكفّ شعرًا ولا ثوبًا".
وروى أن عمر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن الصلاة في سبعة المزبلة والمجزرة والمقبرة والحمام ومحجة الطريق ومعاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله الحرام".
وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأرض كلها مسجٌد إلا الحمام والمقبرة"، وإنما منع من المزبلة والمجزرة لأجل النجاسة، فإذا تحقق طهارة الموضع جازت الصلاة إلا أنها مكروهة لأنه موضع النجاسة، وإن تحقق النجاسة فلا تجوز الصلاة فيه بلا خلافٍ. وإن شكّ في نجاسته، فيه وجهان بناء على أن الاعتبار بالأصل أو بالغالب.
وأمّا المقبرة، فإن كانت جديدة تجوز الصلاة فيها، ولكنه يكره. وقال مالك: "لا بأس بالصلاة في المقابر". وحكي عن الحسن أنه صلّى في المقابر، وقال أبو ثور: لا يصلي في حمام ولا مقبرة، ولا تجوز لظاهر الخبر. وأما الحمام، اختلف أصحابنا 111 أ/ 2 في المعنى الذي كرهت الصلاة، فمنهم من قال: إنما منع من الصلاة فيه لأجل النجاسة، فإنه محل النجاسات، وعليه نص في "الأم"، فعلى هذا إن علم نجاسته لم تجز، وإن علم طهارته كره، وجاز وإن جهل أمره فوجهان على ما ذكرنا أو على هذا لا ينهي عن الصلاة في المسلخ، لأنه ليس بمحل النجاسة.
ومن أصحابنا من قال: إنما نهى عنها لأجل أنه مأوى الشياطين لكشف عورات فيه، ولهذا لما نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوادي ولم ينتبه حتى أيقظهم حرّ الشمس، قال: "ارتفعوا عن هذا الوادي فإن به شيطانًا"، ولم يصل فيه، فعلى هذا المسلخ وبيوت الحمام سواء؛ لأن العورات تكشف في المسلخ ويكون النهي نهي كراهة، فإن صلى جازت الصلاة.
وقيل: النهي عن الصلاة في الحمام لأنه يكثر دخول الناس فيه فلو كان الحمام في داره هل يكره الصلاة فيه؟ وجهان، وحكي عن رجل أنه قال: "لا تجوز الصلاة في الحمّام ولا في سطحه" والنهي يعتمد. وأمّا محجة الطريق فلأجل أنه لا يحصل الخشوع فيها لشغل القلب بالعوارض وقيل لأن الغالب فيها النجاسة وقيل لأنه يكثر فيها