امرأة ذات خشوع وصلاح, وقالت: عاودني الدم بعد الإياس فهل يكون حيضًا فقلت: كيف؟ قالت: أراه في كل شهر دمًا أسود كعادتي في زمان الشباب. قلت: ومذ كم رأيته؟ قالت: مذ نحو من سنةٍ قلت: كم سنك؟ قالت: نحو من سبعين سنةٌ. قلت: من أي الناس أنت؟ قالت: من بني تميم. قلت: أين منزلك؟ قالت: في بني حصين فأفتيتها أنه حيض لتلتزم أحكامه.
فإذا قلنا بهذا القول فبلغت سن الآيسات واعتدت بثلاثة أشهر, ثم رأت الدم قبل النكاح أو بعده فالحكم على ما ذكرنا في القول الأول هكذا ذكره أبو حامد.
وقال القفال: فيه قولان, والأظهر أنه يبطل النكاح لأَّنا جوزني ذلك بحكم الإياس وبالحيض يتبين أن لا إياس. والثاني: لا يبطل.
قال القفال: وكنت أنكر هذا القول ق 54 أ حتى وجدت للشافعي أصلين يدلان عليه.
أحدهما: أن المعضوب المأيوس إذا حج عن نفسه, ثم زالت زمانته هل يلزمه إعادة الحج؟ قولان؛ ففي قول اعتبر حقيقة تعذر برؤه في المستقبل, وفي قول اعتبر ظاهر الإياس عنه, والأصل الآخر أنهم إذا رأوا سوادًا وابلًا فظنوهم عدوًا فصلوا صلاة شدة الخوف, ثم بان الأمر هل يلزمه إعادة الصلاة؟ قولان؛ ففي قول اعتبر وجود العدو حقيقة.
وفي قول اعتبر الخوف من العدو فكذلك ههنا ظاهر أمرها الإياس فلا يبطل بأن تحيض بعده على أحد القولين. ولو وجدنا امرأة تحيض وتطهر على الاستقامة وقد بلغ سنها مائة مثلًا فإنها من ذوات الأقراء بلا خلاف, وإن لم نجد لها نظيرًا في النساء يحيض.
فرع:
لو رأت الدم قبل الفراغ من الشهور فإنها تحسب ما مضى قرءًا ويبطل اعتبار الشهور, ويخالف الصغيرة إذا حاضت قبل الفراغ من الشهر لا تحتسب بما مضى قرءًا على ظاهر المذهب؛ لأن ذلك ليس بطهر بين حيضتين, وههنا طهر بين حيضتين فيحسب قرءًا لا محالة.
فرع آخر:
قال القفال: لو اعتدت بشهر من الثلاثة بعدما بلغت سن الإياس ثم رأت الدم مرة احتسِبت قرءًا, ثم فقدت بعد ذلك اعتدت الآن بثلاثة أشهر؛ لان أقل من هذا لا يدل على براءة رحمها, وكذلك لو رأت قرءًا آخر حصل قرءان, ثم انقطع دمها وآيست يلزمها أن تستأنف ثلاثة أشهر, وهذا بخلاف ما لو عملت بقوله القديم فتربصت ق 54 ب شهرًا من الثلاثة ثم
...................ق 55 أ كما لو طهر بعد موته, واحتج بقوله تعالى: {وَأُوْلتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ