قال في "الأم": والشعر وكل ما نسج علي وجهه لم يدخل عليه صبغ من خز أو غيره، وإنما كام كذلك لأن البياض زينة للأصل في الخلقة، وذلك لا يحرم علي الحاد قياساً علي زينة خلقها وجمالها، فإنه لا يلزمها تغييرها بما يشوهها ويقبح وجهها وعلي هذا يجوز لها لبسه، وإن كان فاخر كالمروري المرتفع والمروري والنيسابوري والد يبقي والعصب.
وأما الإبر يسم لا نص فيه قال أصحابنا: هو كغيره، إذا نسج علي جهتهِ من غير صنع، وإن كان أعلي ما في الباب من جنسه هكذا ذكره أهل العراق.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: لما قال الشافعي "لاَ بَاسَ أَنْ تَلْبَسَ الحَادُّ كُلَّ ثَوبٍ من البَيَاضِ لأَنَّ البَيَاضَ لَيْسَ بمُزيَّنٍ".
يدل علي أنها يجوز لها لبس ثوب الإبر يسم إذا كان أبيض اللون.
وقال القفال: لا يجوز لها لبس الإبرسيم بحالٍ. وهذا غلط، لأن جنسه من أصل الخلقة لا زينة أدخلت عليه فلا تمنع منه.
وأما الخز فلها لبسه؛ لأن الصوف فيه يسير الإبريسم وللرجل لبس الخز، وما راد الشافعي بالخز ههنا خز لم يصنع بل تدل علي لونه. وقال القفال: وأما ألعتابي فإنها لا تلبسه لأن الإبر يسم فيه ظاهر (ق 108 ب) فإن لحمته إبري سم ويغلب ذلك علي سداه والاعتبار بما يظهر.
وقال سائر أصحابنا: هذا إذا دخل فيه الصبغ، فإن لم يصبغ فعلي ما ذكرنا لا يحرم، ثم قال الشافعي: " وَكَذَلكَ كُلُّ صَبْغٍ لمْ تُرَدْ بِهِ تَزيْين الثَّوبِ مثل السَّوَادِ وَمَا صُبغَ ليُقبَّحَ لحُزْنٍ أَوْ لِنَفْي الوَسَخِ".
وهذا الكلام غيره المزني للاختصار فأفسدنه، لأنه يقتضي أن يكون ما صبغ للحزن غير السواد، والصواب ما قال في "الأم" وكذلك كل ما صبغ لم يرد به تزييني الثوب مثل السواد وما أشبه، فإن من صبغة بالسواد إنما صبغة لتقبيحه للحزن أو لنفي الوسخ عنه، وجمله الثوب الذي أدخل عليه الصبغ علي ثلاثة أضرب:
أحدهما: ما قصد به دفع الوسخ أو إظهار الحزن كالكحل يتعاطاه من كثرة وسخة طباعة الإدامة ونحوهم، والسواد كله أعلاه وأدناه من خز أو عيره يلبس في العادة عند الغم والمصائب فلأتمنع منه الحاد.
قال في الحاوي: وهل يجب لبس السواد في الإحداد؟ وجهان:
أحدهما: يجب لاختصاصه بشعار الحزن في المصائب.