والثاني: يستحب ولا يحب لاختصاص الوجوب بما يجتنبه دون ما يستعمله، وهذان الوجهان من اختلاف التأويلين في قوله صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت عميس: "تصلبي" فأحد التأويلين أنه أراد به لبس السواد فيكون واجباً لأمره وعلي التأويل الآخر لا يجب.
والثاني: ما يقصد به الزينة وهو الأحمر والأصفر والخلوتي وأوردي ونحو ذلك فيمنع منه الحاد. وقال في "الأم": "لو كان في الثوب وشئ وتلميع مثل العصب ولحبره فلا تلبسه الحاد غليظاً كان أو رقيقاً، والمذهب أنه لا فصل بين ما صبغ من هذا بعد نسجه وبين ما صبغ غزله ثم نسج، وقال أبو إسحاق: إن كان صبغ بعد نسجه منعت منه (ق 109 أ) وإن كان صبغ ثم نسج لم تمنع منه؛ لأنه إذا كان غزله مصبوغاً كان بمنزلة الثياب التي ذاتها زينة ونسجت علي وجهها من غير صبغ.
وروي هذا عن عمرو رضي الله عنه، وقد روي في خبر أم عطية: " إلا ثوب عصب" وفسرتاه بهذا، قال أبو سليمان الخطابي: وهذا خلاف نص الشافعي ههنا، وفي الأم لأنه قال ههنا، وصباغ الغزل بالخضرة الصافية محرمة والعصب والخبرة يصبغ غزله قبل النسج ونص عليه فيا الأم.
وقد روي في خبر أم سلمه:" لا تلبس المعصفر ولا الممشوق" ولم يفصل بين ما نسج بعد صبغ الغزل وبين ما نسج، ثم صبغ ولأن ما صبغ غزله، ثم نسج يكون أرفع وأحسن مما صبغ الغزل وبين ما نسج، ثم صبغ ولأن ما صبغ غزله، ثم نسج يكون أرفع وأحسن مما صبغ بعد النسج، ويحتمل أن يكون المراد بما قال في خبر أم عطية ما لا زينة فيه كالأسود والكحل.
وقد قال مالك: لا تلبس ثوباً مصبوغاً بشيء من الصبغ إلا بالسواد، وقال سفيان الثوري: تنفي الزينة والثوب المصبوغ.
والثالث: ما يختلف حكمه باختلاف صبغة بالأخضر والأزرق ينظر فيه، فإن كان مشبع الخضرة كان إلي السواد أقرب، وإن كان صافي الخضرة كان إلي الأحمر أقرب فما كان منه مشبعاً لم تمنع منه كالكحل، وما كان منه صافي اللون منعت لأنه زينة.
قال الشافعي: "وَصِباغُ الغَزلُ بالخُضْرةِ يُقَاربُ السَّوادَ لاَ الخُضْرةَ الصَّافيةَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ".
قال أصحابنا: يريد به أن الأزرق إذا كان مشبعاً فهو بمنزلة السواد، وإن كان صافياً نقياً فهو زينة وهو أحسن الألوان فيحرم عليها، وهذا قريب مما تقدم وجمله هذا الفصل أنها مأمورة بهيئة لا تبتدرها الأبصار ولا يستحنها الناظر إظهارا لتفجع (على) فراقه (ق 109 ب).