والقول الثاني: أن ينتسب؛ لأن الرضاع يؤثر في تغيير الخلق والشبه ولا ينفك اللبن عن دواعي الشفقة وموانع الرحمة كما يكون ذلك في النسب، وقد قيل من ارتضع ق 167 ب من سيئة الخلق ساء خلقه، ومن ارتفع من حسنة الخلق حسن خلقه، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أنا أفصح العرب ولا فخر بيد آني من قريش ونشأت في بني سعد، وارتفعت، من بني زهرة " وكانت هذه القبائل أفصح قبائل العرب فافتخر بالرضاع كما افتخر بالنسب.
وقد ذكرنا آن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تسترضعوا الحمقاء فإن اللبن يغذي في الرعونة والحمق".
وروي: "فإن اللبن شبه عليه" ويخالف هذا اعتبار القيامة في النسب دون الرضاع لأن القافة تنظر إلى المشاركة في الصورة، وهاهنا ينظر إلى المشاركة في الأخلاق فافترقا. فإذا قلنا: ينتسب على أحدهما فانتسب حرم عليه أقاربه وحلت له ابنة الآخر ومحارمه لأن نسبه انقطع منه.
وإذا قلنا: لا ينتسب ولا يكون أبيهما لا يصير محرما بنات واحد منهما، وهل يجوز له آن يتزوج بابنة كل واحد من الواطئين؟ اختلف أصحابنا فيه فقال ابن أبي هريرة له أن يتزوج بابنة كل واحد منهما على الانفراد، ولأن الأخت لم تتعين وهذا كما قلنا في رجلين، قال أحدهما: إن كان هذا الطائر غرابا فغلامي حر، وقال الآخر: إن لم يكن غرابا فغلامي حر لم يمنعا من التصرف في غلاميهما، فإن صارا جميعا لواحد منهما منعناه من التصرف فيهما وعتق أحدهما عليه لعلمنا أن أحدهما حر لا محالة كذلك هاهنا.
قال هذا القائل: وإذا تزوج بابنة أحدهما، ثم طلقها أو ماتت لم يجز له آن يتزوج بابنة الآخر؛ لأنه إذا عقد على ابنة أحدهما فقد أقر بأن ابنة الآخر أخته، كما نقول في ثلاثة أواني اثنان طاهران وواحد نجس، فأدى اجتهاد كل واحد منهم إلى طهارة إناء غير الإناء الآخر، إن كل واحد منهم يستعمل الإناء الذي أدى اجتهاده إلى طهارته، فإذا أم كل واحد صاحبيه في ثلاث صلوات ق 169 أ فإن صلاة الصبح جائزة للجميع، وصلاة الظهر جائزة للإمام ولإمام الصبح ولا تجوز للآخران؛ لأن كل واحد منهم أقر بطهارة نفسه وطهارة الإمام من الصبح فإنه صلى خلفه، فكان عند كل واحد منهما أن الآخر نجس فلم تجز صلاته، وصلاة العصر جائزة للإمام وحده فهذا المعنى كذلك ههنا.
وقال أبو إسحاق: لا يجوز له أن يجمع بينهما لئلا يكون مقيما على فرج محرم بيقين بابنة كل واحد منهما على الانفراد، وإذا تزوج بإحداهما، ثم مات أو طلقها يحل له آن يتزوج بالأخرى، وهذا ظاهر قول الشافعي هاهنا لأنه قال: والورع أن لا ينكح ابنة